إسلام قلعه-دوغارون.. شريان تجاري بين أفغانستان وإيران - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل تحولات جيوسياسية معقّدة تشهدها المنطقة، تبرز أهمية معبر إسلام قلعه-دوغارون كأحد أبرز الممرات التجارية بين أفغانستان وإيران، في وقت يتزايد فيه التنافس الإقليمي، وتتعمق التحديات البنيوية والضغوط السياسية والإنسانية على الجانبين.

فقد أصبح هذا المعبر الصحراوي الواقع في أقصى غرب أفغانستان ليس قناة لعبور الشاحنات فحسب بل بات يعكس أيضا ميزانا اقتصاديا متقلبا بين بلدين يعانيان من العقوبات والاضطراب الهيكلي.

معبر تاريخي يتحوّل إلى مركز حيوي للتجارة

يقع معبر إسلام قلعه-دوغارون على الحدود الأفغانية الإيرانية، ويعود تاريخه لأكثر من 110 سنوات. ومع مرور الزمن، تطوّر من مجرد نقطة عبور محلية إلى أحد أهم الممرات التجارية في المنطقة، لا سيما بعد سيطرة حركة طالبان على كابل في أغسطس/آب 2021 وتزايد الضغوط الاقتصادية على إيران بفعل العقوبات الغربية.

ويلعب المعبر اليوم دورا محوريا في تدفق النفط والسلع الغذائية من إيران، في مقابل صادرات أفغانية مثل الفواكه المجففة والزعفران.

وبحسب إحصاءات رسمية من هيئة الجمارك الإيرانية ووزارة التجارة والصناعة الأفغانية، بلغ حجم التبادل التجاري عام 2024 ما بين 3.1 إلى 3.2 مليارات دولار، مسجّلا نموا يتراوح بين 50% و80% مقارنة بـ1.714 مليار دولار في 2023.

الجزيرة مشهد عام للطريق الحدودي في منطقة دوغارون–إسلام قلعه، أحد أهم المعابر البرية بين أفغانستان وإيران_
مشهد عام للطريق الحدودي في منطقة إسلام قلعه-دوغارون، أحد أهم المعابر البرية بين أفغانستان وإيران (الجزيرة)

أرقام النمو التجاري ومؤشرات الصعود

شهد المعبر توسعا في حجم التبادل التجاري خلال النصف الأول من عام 2024، وفق البيانات التالية:

  • 1.3 مليون طن من الصادرات الإيرانية عبر المعبر، بزيادة 25% مقارنة بـ2023.
  •  مليونا طن من حركة الترانزيت، بارتفاع 20% عن العام الماضي.
  • 190.4 مليون دولار قيمة صادرات إيران، بزيادة 60% عن النصف الأول من 2023.
  • يشهد المعبر يوميا مرور 500 إلى ألف شاحنة، مدعومة بتحسينات لوجيستية قلصت مدة التوقف، مما عزز من تنافسية المنطقة تجاريا.

إعلان

اختناقات هيكلية

رغم هذا النمو اللافت، يواجه المعبر تحديات هيكلية عميقة تهدد استدامة التوسع التجاري. وتؤكد وزارة التجارة والصناعة الأفغانية أن ضعف البنية التحتية يعوق الأداء، خاصة مع غياب مستودعات تبريد للسلع القابلة للتلف، وهو ما يضر بسلاسل التوريد.

كما يعاني التجار من غياب أنظمة الدفع الإلكتروني، وهذا يدفعهم إلى استخدام قنوات غير رسمية مثل الحوالات، وهو ما يرفع التكاليف بنسبة 5% إلى 10%.

ويشير عبد السلام جواد آخوندزاده، المتحدث باسم الوزارة في حديث للجزيرة نت إلى أن تعقيدات النظام المصرفي في كل من أفغانستان وإيران تعود في جزء كبير منها إلى العقوبات الغربية على طهران، مما يجعل من شبه المستحيل تنفيذ التحويلات عبر قنوات رسمية.

ويؤكد المحلل الاقتصادي الأفغاني آصف إستانكزي أن البلدين يعتمدان على "نظام تجاري غير رسمي يفتقر إلى الشفافية والاستقرار، وهذا يعقّد المعاملات ويرفع كلفتها".

ويقول للجزيرة نت: "يرى مراقبون أنه في ظل غياب منصات دفع إلكترونية ثنائية، فإن التبادل التجاري يظل مرهونا بشبكات غير رسمية، وهو ما يفتح الباب أمام التهريب، ويقوّض قدرة الدولتين على تنظيم السوق أو تحصيل الضرائب. وحتى لو استمر نمو التبادل، فإنه سيبقى محصورا ضمن اقتصاد موازٍ ما لم تُعالج الأطر المصرفية والجمركية بجدية".

أزمة المياه والجفاف.. عبء إضافي

من جهة أخرى، تسهم النزاعات البيئية في إضعاف صادرات أفغانستان الزراعية، إذ يشكّل الجفاف المتكرر ونزاع المياه حول نهر هلمند عاملا إضافيا في تقليص حجم المنتجات الزراعية العابرة عبر المعبر.

وانخفض إنتاج الفواكه والخضروات بنسبة 25% خلال عام 2024، الأمر الذي أثر سلبا على صادرات الزعفران والبطيخ والرمان وغيرها من المحاصيل نحو السوق الإيرانية.

وتتهم طهران كابل بعدم الالتزام باتفاقية 1973 الخاصة بتقاسم مياه نهر هلمند، ما يزيد التوترات.

وفي هذا السياق، يقول المزارع شير علي عباس من ولاية فراه للجزيرة نت: "فقدنا أكثر من نصف إنتاج البطيخ والرمان بسبب نقص المياه، وهو ما أثّر على تلبية السوق الإيرانية".

مصدر  الجزيرة في معبر إسلام قلعه–دوغارون، يقف اللاجئون الأفغان في طوابير منتظمة بانتظار حصصهم من الغذاء، وسط محاولات إنسانية للتخفيف من معاناتهم
اللاجئون الأفغان يقفون في معبر إسلام قلعه-دوغارون في طوابير منتظمة بانتظار حصصهم من الغذاء (الجزيرة)

أزمة اللاجئين تضغط على المعبر

إضافة إلى التحديات التجارية، يشهد المعبر ضغطا بشريا متزايدا مع ترحيل متوقّع لمليون أفغاني في عام 2025، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويوضح عبد الغني كامل، حاكم مديرية إسلام قلعه: "في فترات الذروة، يصل عدد العابرين إلى 40 ألف شخص يوميا، مما يضغط بشدة على البنية التحتية ويؤخر حركة الشاحنات".

ويضيف للجزيرة نت أن "المبادرات الشعبية تفوقت على الاستجابة الرسمية، إذ وفرت المأوى والطعام للعائدين في غياب حلول حكومية كافية".

بين التوسّع الإيراني والتنافس الإقليمي

ورغم التحديات، هناك مشاريع إستراتيجية طموحة تسعى لتعزيز موقع المعبر في التجارة الإقليمية، أبرزها:

  • ميناء تشابهار: مشروع إيراني تدعمه الهند باستثمارات بلغت 250 مليون دولار عام 2024، كمنافس لميناء جوادر الباكستاني.
  • سكة حديد خواف-هرات: من المتوقع أن تنقل 6 ملايين طن سنويا بحلول 2026، ما يعزز الربط بين إيران وأفغانستان.
  • مشروع كاسا-1000: لنقل الكهرباء من آسيا الوسطى إلى أفغانستان، وهو ما يزيد الاعتماد الإقليمي على المعبر.

إعلان

التنافس الإيراني – الباكستاني

باتت إيران تتقدم على باكستان في حجم التبادل التجاري مع أفغانستان، مستفيدة من استقرار نسبي في المعابر وتوسعات البنية التحتية.

وفي المقابل، تعاني باكستان من توترات حدودية متكررة وخطوط إمداد مغلقة.

ويُعد دعم الهند لمشاريع البنية التحتية الإيرانية إضافة إستراتيجية تزيد من نفوذ طهران في أفغانستان وآسيا الوسطى، وتدفع بكابل نحو تعزيز الاعتماد على المعابر الإيرانية.

ويُعد معبر إسلام قلعه-دوغارون نموذجا حيويا لتقاطع المصالح الاقتصادية والضغوط الجيوسياسية، في منطقة تعيش على وقع العقوبات والتقلبات المناخية والضغوط الإنسانية.

ورغم أن أرقام التجارة تنمو، فإن مستقبل هذا الشريان مرهون بمدى قدرة الطرفين على معالجة مشكلاته البنيوية وتنظيمه ماليا وجمركيا بما يحقق استقرارا طويل الأمد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق