السويداء- شهدت محافظة السويداء (جنوب سوريا) خلال الأيام الماضية موجة نزوح غير مسبوقة لعائلات من العشائر البدوية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية.
ففي قرى السويداء الريفية، حيث كان البدو يعيشون حياة هادئة تعتمد على الرعي والزراعة البسيطة، أجبرت الاشتباكات الأخيرة وانعدام الأمن الغذائي مئات العائلات على الفرار، وقد توجهت معظم هذه العائلات إلى ريف درعا، حاملة معها ما استطاعت من متاع قليل.
آلاف العائلات، التي تركت قراها بحثا عن الأمان، وجدت نفسها في مخيمات مؤقتة بريف درعا، تعاني نقصا حادا في الموارد الأساسية. ووسط هذه الأزمة، تتكاتف جهود إغاثية محلية ودولية لتقديم يد العون، بقيادة مبادرات قطرية ومنظمات أممية، إلى جانب فرق تطوعية محلية تواجه تحديات أمنية كبيرة.
تقول سمية عمر، نازحة من قرية الثعلة في ريف السويداء، للجزيرة نت: "تركنا بيوتنا على عجل ولم نحمل سوى ملابسنا. الطريق كان مخيفا، والأطفال كانوا يبكون من الجوع والخوف. الآن نعيش في مدرسة مهجورة بريف درعا، لا ماء نظيف ولا كهرباء".
وتضيف بحسرة: "كل ما نريده هو مكان آمن لأطفالنا، لكننا لا نعرف إلى متى سنظل هكذا".
شهادة مشابهة قدمها عبد الله الحريري، وهو أب لـ5 أطفال نزح من قرية المجيمر حيث يقول للجزيرة نت "لم نكن نملك خيارا؛ الاشتباكات اقتربت من بيوتنا، ولم يعد هناك طعام أو دواء، اضطررنا للمغادرة تحت القصف. الآن نحن في مخيم مؤقت، لكن البرد يقتلنا والمساعدات لا تكفي".
جهود إغاثية
وفي مواجهة هذه الأزمة، تحركت جهات إغاثية دولية ومحلية بسرعة لتقديم الدعم، وفي مقدمة تلك الجهات السفارة القطرية في دمشق، التي أعلنت -بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري والسوري- عن إرسال 7 شاحنات محملة بـ3600 سلة غذائية تزن الواحدة 45 كيلوغراما، استهدفت النازحين في ريف درعا.
إعلان
وحسب السفارة القطرية، فإن هذه الشحنة جزء من التزام دولة قطر بدعم الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة، مؤكدة أنها تعمل بالتنسيق مع الجهات المحلية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
استكمالا للجهود الإنسانية المشتركة التي تبذلها السفارة القطرية في دمشق والهلال الأحمر القطري لدعم الأشقاء في سوريا، قام الهلال الأحمر القطري بإدخال قافلة مساعدات قطرية جديدة من الأردن إلى الجنوب السوري مكونة من 12 شاحنة متوسطة تحمل 96 طنا من مادة الطحين بهدف دعم تشغيل الأفران… pic.twitter.com/ltmHLKsml5
— سفارة دولة قطر – دمشق (@QatarEmb_Syria) July 22, 2025
وإلى جانب الجهود القطرية، تستعد منظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي لتوسيع عملياتها في الجنوب السوري.
وأكد مصدر في الصليب الأحمر أن المنظمة تعمل على تأمين ممرات آمنة للمساعدات، مع التركيز على توفير المياه النظيفة والرعاية الصحية. كما يجري التنسيق مع سفارات نشطة في دمشق لضمان استمرار تدفق المساعدات.
من جانبه، أكد أحمد وتي -مسؤول في الهلال الأحمر السوري- أن المنظمة وسعت عملياتها لتشمل خدمات صحية ونفسية، خاصة للأطفال الذين يعانون صدمات نفسية جراء النزوح.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- "الوضع معقد، فالمجتمعات المضيفة في درعا تعاني أيضا من ضغوط اقتصادية، مما يتطلب استجابة شاملة لا تقتصر على النازحين فقط".
مبادرات محلية
ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، برزت الفرق التطوعية المحلية بوصفها عامل حاسم في سد الفجوات التي تعجز المنظمات الكبرى عن تغطيتها، ومن أبرزها فريق "هيئة شباب البلد"، بقيادة إبراهيم زيدان، الذي كان من بين الجهات المحلية التي تحدت الظروف الأمنية لإيصال المساعدات.
يقول زيدان للجزيرة نت: "تلقينا مناشدات عاجلة من أهالي السويداء ونازحي البدو في درعا، وعلى الفور جهزنا وجبات طعام جافة وحليب أطفال، لكننا واجهنا إطلاق نار من سلاح مضاد للطيران قرب بلدة ولغا، ورغم ذلك، فإننا واصلنا مهمتنا، لأن الناس بحاجة إلينا".
كما أشار زيدان إلى أن الاحتياجات تتجاوز المواد الغذائية، حيث يعاني النازحون نقصا حادا في كل شيء.
وأضاف "نعمل الآن على جمع تبرعات لتأمين هذه الاحتياجات، لكن الموارد محدودة والتحديات كبيرة".
فريق آخر، هو "مبادرة أهل الخير"، ركز على الوصول إلى المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها.
وقال أحد أعضاء المبادرة للجزيرة "نحن نعمل كجسر بين النازحين والمنظمات الكبرى. مرونتنا تتيح لنا التحرك بسرعة، لكن الأمن يظل التحدي الأكبر".

أوضاع كارثية
وإلى جانب النازحين، يعاني من بقي من السكان في السويداء من انعدام الأمن الغذائي، وانقطاع الكهرباء والمياه، وغياب فرص العمل.
وتقول سلمى، وهي أم من مدينة شهبا بريف السويداء، للجزيرة نت: "لم نتمكن من النزوح، لأننا لا نملك المال. الآن نعيش على مساعدات متقطعة، لكنها لا تكفي لتغطية احتياجاتنا اليومية".
منظمات محلية، مثل "جمعية البر والإحسان"، تحاول تقديم طرود غذائية ومستلزمات طبية، لكن مصادر محلية تؤكد أن حجم الاستجابة لا يتناسب مع الاحتياجات المتزايدة.
إعلان
وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 60% من سكان السويداء بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
و تواجه السويداء ودرعا أزمة إنسانية متفاقمة تهدد حياة الآلاف من النازحين والمقيمين، ورغم الجهود الإغاثية المبذولة، فإن التحديات الأمنية، ونقص الموارد، وتزايد الاحتياجات تعوق الاستجابة الكاملة.
0 تعليق