مع خياشيم ريشية مكشكشة تنبت من رأسه بشكل عجيب، وابتسامة دائمة، وأقدام مكفوفة، وزعانف ظهرية تمتد على طول جسمه، وذيل ليس أقل غرابة كان عفريت الماء أو سمندل المكسيك محل اهتمام البشر منذ قدم الزمن وحتى عصر الإنترنت، يظهر دائما وكأنه وحش لطيف من فيلم "أنمي" شهير.
وما لفت انتباه العلماء في هذا الكائن منذ عقود القدرة العجيبة على تجديد الأطراف بالكامل، فإذا فقد أحد أطرافه فسينبت له طرف جديد في غضون أسابيع مكتملا بالعظام والعضلات والأعصاب والجلد.

ملك التجدد
وإذا قُطع ذيله -بما في ذلك جزء من حبله الشوكي- فإنه يتجدد مرة أخرى، بل ويتخطى الأمر ذلك إلى أبعد مما تتصور، حيث يمكنه إصلاح القلب التالف وإعادة نمو المبايض واستبدال الرئتين المصابتين، وحتى إصلاح أجزاء من الدماغ والحبل الشوكي دون أي فقدان للوظيفة.
فقط فكر في الأمر، فهو يشبه قدرات أفلام الخيال العلمي، إذا جرح البطل في أي مكان بجسمه تعود الأنسجة لتلتئم بلا ندب، وإذا قطعت يداه أو قدماه تنمو من جديد، وإذا ضرب بسكين شفي جسمه وكأننا نرجع بالزمن للخلف.
وعلى عكس العديد من الأنواع الأخرى يحتفظ السمندل المائي بقدراته التجديدية طوال حياته، ففي معظم الحيوانات تقل القدرة التجديدية مع تقدم العمر، لكن السمندل المائي يظل قادرا على تجديد حتى الهياكل المعقدة مثل الحبل الشوكي أو أجزاء من الدماغ في أي مرحلة من مراحل الحياة.
ولذلك، أصبح سمندل الماء أو الأكسولوتل بين العلماء نموذجا يحتذى به في "التجديد المثالي"، وقد سعت عقود من البحث إلى كشف الأسرار الخلوية والجزيئية الكامنة وراء هذه القدرة الخارقة، كيف يعرف جسم الحيوان أي جزء مفقود يجب إعادة نموه وإلى أي مدى؟

جزيء معروف
في دراسة رائدة صدرت مؤخرا بدورية "نيتشر كوميونيكيشنز" أجاب الباحثون أخيرا عن هذا السؤال الذي أزعج هذا البحث العلمي بهذا النطاق لمدة 200 سنة، وتتمحور الإجابة حول جزيء قد يفاجئك، إنه حمض الريتينويك، ولو لم تسمع عنه من قبل فإنه مشتق من فيتامين "إيه"، ويشتهر في أدوية حب الشباب ويوجد في أجسامنا.
إعلان
وتحتوي أنسجة الأكسولوتل على تدرج في حمض الريتينويك على طول أطرافها، مع مستويات أعلى في الكتف ثم تنخفض تدريجيا لتصل إلى مستويات منخفضة في اليد، مما يوفر نظاما إحداثيا للخلايا أثناء عملية التجديد.
ماذا يعني ذلك؟ عند بتر طرف سمندل الأكسولوتل يتمكن جسده من تقييم تركيز حمض الريتينويك لمعرفة مكان القطع تحديدا، فعلى سبيل المثال إذا حدث البتر في الساعد فإن الخلايا تستشعر مستويات منخفضة من حمض الريتينويك وتعيد نمو المعصم واليد فقط، وإذا فُقد الطرف عند الكتف (منطقة حمض الريتينويك المرتفع) فإن الخلايا تعيد نمو الذراع بالكامل حتى الأصابع.
وأثبت الباحثون ذلك من خلال تعديل النظام في تجارب "فرانكشتاينية" في الحقيقة، حيث إنهم عندما زادوا حمض الريتينويك في معصم سمندل أكسولوتل نما للمسكين قسم إضافي من الكوع والذراع بدلا من اليد فقط.

طرف من لا شيء
بعد الإصابة تعد الخلايا الليفية (خلايا موجودة في جميع أنحاء الجسم) محفزا لعملية التجديد، تستمع هذه الخلايا إلى إشارة حمض الريتينويك وتهاجر إلى الجرح، ثم تُجري خدعة أشبه بالخيال العلمي، حيث تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتعود إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية، تلك التي يمكن أن تتحول إلى أي شكل وتتخذ أي وظيفة.
تتجمع هذه الخلايا عند الجذع وتشكل بنية تسمى "البلاستيما"، وهي تشبه إلى حد ما البرعم الذي سينمو ليصبح الطرف الجديد، ثم تتكاثر هذه الخلايا غير المتمايزة وتحول نفسها إلى جميع الأنسجة اللازمة (العظام، والعضلات، والأوعية الدموية، والأعصاب) بالنمط والترتيب الصحيح وكأننا أمام جنين يتكون لحمه وعظامه.
وفي النهاية، يعاد بناء الجزء المفقود كما لو كانت تعيد تشغيل عملية النمو، كما لو أن الزمن يرجع بالخلف ثم يتسارع للأمام
وعلى النقيض من ذلك، عندما يصاب الإنسان بجرح في أحد أطرافه لا تُصدر الخلايا الليفية هذه الأوامر، بل تسارع إلى الداخل وتشكل نسيجا ندبيا غنيا بالكولاجين لإغلاق الجرح بسرعة مغلقة إياه، ولكن بما يمنع أي نمو جديد.
وكما يقول الباحثون في هذه الدراسة من جامعة نورث ويسترن فإن خلايا الجسم لدى البشر "لا تُنصت بنفس الطريقة"، فهي تفتقر إلى "الحوارات الذكية" التي تجري بين خلايا الأكسولوتل لتنسيق عملية التجدد.
شيء غريب يحدث لا يفهمه العلماء بعد لكنهم يحاولون، عسى أن يساعد ذلك يوما ما في إنتاج علاجات تساعد أصحاب الأطراف المفقودة من بني البشر.
0 تعليق