الصين تغرق العالم بسلعها.. فائض الإنتاج يتحول إلى سلاح صناعي - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم تعاقب الدعوات الرسمية داخل الصين للحد من الإنتاج المفرط والمنافسة الفوضوية، يبدو أن بكين تواجه معضلة معقّدة، يصعب حلّها دون المساس بمرتكزات هيمنتها الصناعية، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ في تقريرها الأخير.

وبحسب الوكالة فمن صناعة الفولاذ إلى السيارات الكهربائية، ومن ألواح الطاقة الشمسية إلى مصافي النحاس، تنتج الصين أكثر مما تحتاجه السوق العالمية، في سياق يتشابك فيه الطموح التكنولوجي مع اعتبارات النمو الداخلي ومخاوف الانكماش.

دعوات رسمية للإصلاح

وفي الأشهر الأخيرة، أطلق كبار القادة الصينيين، وعلى رأسهم الرئيس شي جين بينغ، إشارات تدعو للحد مما يُعرف محليا بـ"المنافسة غير المنضبطة" أو "التداخل الصناعي"، مع تشجيع الحكومات المحلية على إغلاق المصانع المتقادمة التي لم تعد مجدية.

SHENZHEN, CHINA - APRIL 12: Tourists are seen onboard a sightseeing boat flying the Chinese national flag, with a Maersk container ship and stacked shipping containers in the background at the Yantian International Container Terminal, on April 12, 2025 in Shenzhen, China. China has imposed a new round of retaliatory tariffs on U.S. imports, raising duties to 125% in response to the latest escalation by the United States, which increased tariffs on Chinese goods to 145%. The growing trade tensions have further impacted China's export sector, affecting key industries such as logistics, manufacturing, and cross-border e-commerce. The measures are part of Beijing's broader strategy to counter rising economic pressure and defend its trade interests. (Photo by Cheng Xin/Getty Images)
بكين تفضّل فائض الإنتاج كدرع صناعية رغم التبعات الاقتصادية (غيتي)

وقد فسّر المحللون هذه الدعوات باعتبارها نسخة جديدة مما عُرف سابقا بـ"إصلاحات جانب العرض 2.0″، مستذكرين محاولة مشابهة قبل نحو 10 سنوات هدفت إلى خفض الطاقة الفائضة.

كما أشارت بلومبيرغ إلى أن هذه التصريحات رفعت من توقعات الأسواق، ودفعت أسعار بعض السلع الأساسية كخام الحديد والليثيوم إلى الارتفاع، كما شهدت أسهم قطاع العقارات انتعاشا نتيجة آمال متجددة بتحفيز حكومي قادم لدعم القطاع.

لكن، كما يلاحظ التقرير، فإن هذا التفاؤل لم ينعكس حتى الآن على أرض الواقع؛ حيث تواصل المنشآت الصناعية، خصوصا المملوكة للدولة، العمل بكامل طاقتها الإنتاجية.

فائض في القديم.. وتخمة في الحديث

وتتمثل إحدى أبرز المفارقات، بحسب بلومبيرغ، في أن أزمة فائض الإنتاج لم تعد تقتصر على القطاعات التقليدية مثل الفولاذ والنحاس، بل امتدت إلى الصناعات الحديثة التي تسعى بكين للريادة فيها، كأجهزة الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. وفي هذا السياق، تقول بلومبيرغ إن "المشكلة لم تعد فقط في ما يُنتَج، بل في كيف يُستخدم فائض القوة الصناعية".

فعلى سبيل المثال، تستمر مصاهر النحاس الصينية في العمل بكفاءة مرتفعة، رغم مواجهتها لما وصفه التقرير بـ"رسوم معالجة سلبية غير مسبوقة"، أي أن الشركات تضطر لدفع مقابل إنتاجها بدلا من تحقيق إيرادات من التكرير، مما يعكس مستوى التنافس المحموم الذي بات يكبّد القطاع خسائر فادحة من أجل الحفاظ على الحصة السوقية.

إعلان

فائض الإنتاج كميزة قومية

ووفق بعض خبراء الاقتصاد الذين نقلت عنهم بلومبيرغ، فإن فائض الإنتاج الصيني ليس عيبا هيكليا بقدر ما يُنظر إليه كدليل على الكفاءة والابتكار.

فالمصانع الصينية، مدعومة من الحكومات المحلية وسياسات المركز، لا تزال ترى أن الحفاظ على الطاقة القصوى للإنتاج يُعدّ إستراتيجية تفوّق، خصوصا في ظل المنافسة العالمية التي تزداد حدّة في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء.

وهنا تكمن المفارقة الكبرى، فبينما تدعو بكين إلى كبح الفوضى التنافسية، لا يبدو أن لديها نية حقيقية لكبح الإنتاج، ما دامت السيطرة الصناعية مستمرة، كما تشير بلومبيرغ.

التوزيع السياسي لحجم الإنتاج

وتشير بلومبيرغ إلى أن كثيرا من الطاقة الإنتاجية الزائدة مركّزة داخل شركات الدولة، مما يُصعّب من إمكانية تقليصها دون التسبب في اضطرابات داخلية. فهذه الشركات تتمتع بحصانات إدارية، وتُعتبر أدوات إستراتيجية ضمن سياسات التنمية الطويلة الأجل التي تتبعها بكين، سواء من حيث الأمن الصناعي أو الاستقرار الاجتماعي.

March 14, 2017, Linhai, Zhejiang Province, China, Geely Automobile Manufacturing Plant, assembly plant workers are assembling the engine, representing the highest level of China's state-owned car bran; Shutterstock ID 774597796; Department: -
شركات الدولة تتمتع بحصانات تعيق تقليص قدراتها الإنتاجية (شترستوك)

ويُذكّر التقرير بأن آخر محاولة حقيقية لتقليص الفائض -في أوائل العقد الماضي- أدت إلى ارتفاعات مفاجئة في الأسعار، وأطلقت موجة من الإنتاج المحموم قبل تنفيذ الإغلاقات، مما دفع الحكومة لاحقا إلى التراجع التدريجي عن تلك السياسات.

ورغم أن الاقتصاد الصيني فاجأ الأسواق بتحقيقه نموا أعلى من المتوقع في الربع الثاني من عام 2025، فإن المستهلكين لا يشاركون هذه الثقة.

وتشير بلومبيرغ إلى تزايد "الضيق الشعبي"، سواء في المصانع أو في المنازل، نتيجة غياب الاستقرار في الأسعار وفرص العمل، مما يجعل أي قرار بتقليص واسع النطاق في القدرات الإنتاجية محفوفا بمخاطر اجتماعية يصعب تقديرها.

الفائض سيبقى.. وحرب الأسعار لن تنتهي

وتختم بلومبيرغ بالإشارة إلى أن ما يحدث ليس مجرد إخفاق في ضبط الإنتاج، بل هو انعكاس لإستراتيجية صناعية متعمدة تقوم على فائض القوة، حتى وإن بدت النتائج مرهقة على الأمد القصير.

ويبدو أن بكين، في ميزانها الدقيق بين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، تُفضل الحفاظ على فائض الإنتاج كدرع قومية في مواجهة تحولات السوق العالمية، حتى وإن كان الثمن مزيدا من حروب الأسعار داخل الحدود وخارجها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق