
17 يوليو 2025 - 10:30
هناك معارك نخوض غِمارها بدافع الوطنية، وثمة جدالات نصطف في جانب من جوانبها انتصاراً لعواطفنا وميولاتنا، لكن يحدث أن نُقبل على مواضيع نتعاطى معها فقط لحرصنا على أن يحْكُمها المنطق، خشية أن تزيغ عن مسارها الطبيعي، ومن جُملتها ما تتنازعه المواقف والآراء حول سباق التتويج بجائزة الكرة الذهبية، التي تُقدٍّمها مجلة "فرانس فوتبول"، لسنة 2025.
لست هنا بصدد الدفاع عن أشرف حكيمي لانتماء مُشترك اسمه المغرب، بل نحن أمام نازلة تحتاج إلى تأطير وقول صادق، وانحيازٍ لقوة الواقع المدفوع بما تُمليه الحقائق. صحيح أن المنافسة على هذه الجائزة غالبا ما تستند إلى ما خلف الكواليس، وترضخ لصراعات الأجنحة واللوبيات والضغط الإعلامي، لكن الشجاعة تقتضي منا استعراض الصورة كما هي، ولو كنا نسبح ضد تيار ما تُروِّجه الصحافة الفرنسية والأجنبية في جزءٍ منها.
يجد حكيمي نفسه في دائرة المنافسة مع لاعبين آخرين، لن نجحد تألقهم في الموسم الفارط، ولن نقفز على ما أنجزوه مع أنديتهم، وإسهاماتهم الملموسة في ما بلغته فرقهم، وقد نستحضر الفرنسي عثمان ديمبيلي، الذي سجّل 35 هدفا وقدّم 16 تمريرة حاسمة، وهذه الحصيلة في مضمار اللعبة قد لا تبعث ربما على الاستغراب بشأن مهاجم ورأس حربة وظيفته الأساسية هي التواجد في معترك العمليات، وترجمة الفرص إلى أهداف وتحيُّن وصول الكرات لإسكانها المرمى.
إذا كانت الكرة الذهبية مضبوطة بالأرقام الفردية في المقام الأول، ماذا يمكننا قوله عن توقيع المهاجم إيرلينغ هالاند لـ34 هدفا في الموسم الأخير رفقة مانشستر سيتي، وما عسانا نفعل إزاء إحراز البرازيلي رافينها 34 هدفا وإهدائه 25 تمريرة حاسمة مع برشلونة، لكننا في الواقع نتحدث عن منسوب المساهمة التي قدّمها اللاعبون في ما حصدته أنديتهم، وما إن كانوا فعّالين، والفارق الذي أحدثوه جليّا وواضحا.
ديمبيلي الذي دوّن 35 هدفا، شارك بلا ريب، في إنجازات باريس سان جيرمان، اضطلع بأدوار في الضغط العالي والمتقدِّم وتكفّل بمهمة إبراز النجاعة التهديفية، غير أنه غاب عن مجموعة من المباريات، سواء جسديا أو على مستوى الفعالية، ورغم ذلك نجح الباريسيون في كسب رهان المباريات، ويُحيلنا الأمر هنا إلى أن الدولي الفرنسي كان له دورٌ يُتوِّج به مجهودات زملائه، وليس محوريا ومفصليا بدونه يصطدم النادي بالعدم.
أما عند الحديث عن حكيمي، فلا يسعنا وصفه إلا بِخصلة "نُكران الذات" والبذل في سبيل المجموعة، وربما الذوبان من أجل إشعال أنوار الفريق. ظلّ صاحب الـ26 سنة في كل المقابلات يتقلّد جميع المهام، يدافع في الرواق الأيمن، ويقود الهجمات المرتدة والخاطفة مُستعينا بسرعته، وأكثر من ذلك يتوغَّل في العمق ويلج مربع العمليات، مُرتديا جلباب قلب الهجوم، لإنهاء العمليات وهز الشباك.
بينما كان الإعلام الفرنسي يُكيل المديح إلى ديمبيلي، وتأخذ الصحافة الإسبانية في إلقاء الأضواء على لامين يامال، أخذ حكيمي يطوي المسافات نحو مساحة اهتمام الشّارع والفعاليات الكروية بما يبصم عليه هذا الفتى، لم يتّكئ في الحيز الذي ناله داخل الأوساط الرياضية في نهاية الموسم الأخير على ماكينات إعلامية، ولا حملات إعلانية مُدبَّرة تُروّج في المواقع الاجتماعية، وإنما ساقته إلى هناك عروضه المُذهلة، بإجماع نجوم ولاعبين سابقين وحاليين وكذا مدربين خبروا أعماق هذه اللعبة.
استطاع قائد المنتخب المغربي الحفاظ على ثبات المستوى في معظم المواعيد، وانتظم في مسار تغيب عنه الانحرافات، رغم أنه خاض أكثر من 68 مباراة طيلة موسم بلا توقف. في غمرة ازدحام أجندته الكروية، لم يتردّد في تلبية نداء الوطن ولو كانت المباريات ودية، حتى أنه ضحّى بإجازته الصيفية ليقود المنتخب الأولمبي في دورة باريس 2024 إلى حيازة الميدالية النحاسية، في مشهدٍ ينضح وطنيةً ويفيضُ بالسخاء.
أشرف حكيمي يحوز كامل الشرعية للظفر بالكرة الذهبية، ليس بفضل فواصله المهارية على المستطيل الأخضر، ولا أهدافه الحاسمة ومردوده الدفاعي المتماسك فقط، وإنما بما هو أبعد من ذلك، بالاستناد إلى جانبه الإنساني المُجسّد في روح رياضية عالية وعلاقات يسمها الاحترام بكل اللاعبين، وأيضاً لأنه مُنبعث من هامش الاستهلاك الإعلامي، بخلاف لاعبين آخرين تُساعدهم جنسياتهم على تسويق اسمهم وتضخيم قيمتهم التسويقية.
ظفر الدولي المغربي بالجائزة هو انتصار للمنطق، وإعمالا للحق، بل هو إعلاءٌ لقيم التلاحم والتضامن والوحدة كما ينبغي أن تكون عليه الفرق ولاعبيها. حكيمي توج سلفا بالكرة الذهبية في أعين الكثيرين، ورغم ما يُروّج لأسماء نجوم آخرين كونهم مرشحين لحيازة هذا التتويج الفردي، فإن "فخر المغرب" يحضر في دائرة المتصارعين والمتنافسين بقوة الواقع، وبكل المعطيات التي ذكرناها آنفاً.
0 تعليق