في قلب القاهرة، وتحديدًا في منطقة رمسيس التي لا تهدأ، اشتعل الحريق كما لو أنه وحش هائج، يلتهم كل ما يعترض طريقه من مبانٍ ومحال وأرواح ترتجف من الخوف.
وسط هذا الجحيم، وقف رجال المطافئ، لا يحملون سوى خوذاتهم، وخراطيمهم، وإصرارهم الذي لا يلين.
لساعات طويلة، امتزج الدخان الكثيف بصرخات الناس، وتحوّلت السماء إلى ستار رمادي ثقيل. ورغم لهبٍ لا يرحم، وحرارة تقطع الأنفاس، لم يتراجع هؤلاء الرجال. تسلّقوا الجدران المحترقة، واجتاحوا العتمة، وعانقوا الخطر وجهًا لوجه. لم يكن أحدٌ منهم يفكر في راحته، ولا في جسده المنهك، بل كانت أعينهم كلها معلّقة بحلم واحد: إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كانوا يعملون كمن يسابق الزمن، يركضون بين النيران كأن أرواحًا عالقة تناديهم، وكأن كل قطرة ماء تُسكب هي وعد جديد بالحياة. تساقطت عليهم شظايا النيران، لفحت وجوههم، اخترقت صدورهم أنفاس الدخان، لكنهم ظلوا واقفين، لأن التراجع خيانة، ولأن مهمتهم لا تحتمل الانتظار.
إنها ليست مجرد مهنة، بل بطولة خالصة، تُسطر في اللحظة التي يختار فيها الإنسان أن يقف في وجه النار، ليحمي الغير، ولو احترق هو. رجال المطافئ في حريق سنترال رمسيس لم يُطفئوا حريقًا فقط، بل أضاؤوا في عيوننا معنى التضحية، وتركوا في ذاكرتنا درسًا لن يُنسى: أن البطولة قد لا تأتي بصوتٍ عالٍ، لكنها تُكتب بعرق، ودم، وإيمان لا يموت وعزيمة لا تلين، كانوا يواجهون الخطر وألسنة اللهب طيلة 12 ساعة ومازالوا..
0 تعليق