28 يوليو 2025, 9:27 صباحاً
تُجسّد شجرة "البان العربي"، المعروفة محليًا باسم "اليسر" أو "المورينجا"، أحد الرموز النباتية العريقة في محافظة العُلا، إذ اقترنت منذ القِدم بجمال الطبيعة ورقّتها، وحظيت بحضورٍ بارزٍ في الوجدان الشعبي والموروث الأدبي؛ لتبقى حتى اليوم شجرة نابضة بالعطاء، تجمع بين الجاذبية البيئية والرمزية الثقافية.
وتُعد محافظة العُلا من أبرز المناطق التي تحتضن زراعة شجرة "البان العربي" على نطاق واسع في المملكة، وذلك بحسب الإحصائية الزراعية الأخيرة الصادرة عن القطاع الزراعي بالهيئة الملكية لمحافظة العُلا، حيث تنتشر زراعتها على مساحة تُقدّر بـ 67.20 هكتارًا، ويبلغ إنتاجها السنوي نحو 134.40 طنًا، فيما تجاوز عدد الأشجار المزروعة 53,761 شجرة، ويقع موسم الإنتاج ما بين منتصف شهر يوليو وحتى منتصف أغسطس من كل عام.
وتتميّز شجرة "البان العربي" بقدرتها العالية على مقاومة الجفاف والتكيّف مع المناخات الصحراوية، فضلًا عن رمزيتها الجمالية التي رسخّت مكانتها في الأدب العربي.
وورد ذكرها في عددٍ من القصائد، حيث شبّهها الشاعر الأموي جميل بن معمر (جميل بثينة) بمحبوبته، وعبّر عن جمالها وتشبيه قوامها بغصن البان بقوله: "صيود كغصن البان ما فوق حقوها.. وما تحته منها نَقا يتقصف"، ثم وصف صفاء عينيها وجمال عنقها بقوله: "لها مقلتا ريم وجيد جذاب"، وأضاف في وصف رشاقتها: "وبطنٍ كطي السابرية أهيف".
كما حضرت الشجرة في قصائد الشريف الرضي، الذي وصف محبوبته قائلًا: "يا ظبية البان ترعى في خمائله.. ليهنك اليوم أن القلب مرعاك"، وتابع في موضع آخر من القصيدة: "الماء عندك مبذول لشاربه.. وليس يرويك إلا مدمعي الباكي"، في إشارة إلى رقة حضورها وتأثيرها العاطفي العميق.
وفي سياق حديثه عن زراعة هذه الشجرة، أوضح المزارع مرزوق بن بركة البلوي، أن "البان العربي" يُجسّد حالة من الانسجام بين الجمال والمرونة البيئية، مشيرًا إلى أنها ليست مجرد نبات، بل صورة حيّة للجمال الطبيعي، ما زالت تُلهم المزارعين والمهتمين بما تحمله من صفات التوازن والقدرة على العطاء في مختلف الظروف.
وأضاف البلوي أن شجرة "البان العربي" تمتاز بقدرتها على تحمّل ندرة المياه والظروف المناخية القاسية، مؤكدًا أن الحفاظ عليها لا يقتصر على بعدها الجمالي والثقافي، بل يُعد استثمارًا بيئيًا طويل الأمد في مستقبل المحافظة الزراعي.
وتُولي الهيئة الملكية لمحافظة العُلا اهتمامًا خاصًا بالنباتات المحلية ذات القيمة الاقتصادية والبيئية، وفي مقدّمتها شجرة "البان العربي"، حيث تندرج ضمن مسارات الاستدامة الزراعية التي تُركّز على تنمية سلاسل القيمة للنباتات الأصيلة، وتشجيع استخدامها في الصناعات التجميلية والطبية والغذائية، بما يُسهم في تعزيز استغلال الموارد الطبيعية بأساليب مسؤولة ومتجددة.
وتبقى شجرة "البان العربي"، برمزيتها الجمالية وحضورها الشعري والبيئي، شاهدًا حيًا على ما تزخر به محافظة العُلا من تنوّع طبيعي وثقافي، وقدرة متجددة على الإلهام والاحتفاء بالجمال.
0 تعليق