
27 يوليو 2025 - 07:00
استعصى، من جديد، لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات، على المنتخب الوطني المغربي، واصطدمت أحلام "لبؤات الأطلس" بصخرة تمرُّس وحِنكة لاعبات المنتخب النيجيري، في نهائي المسابقة، مساء أمس السبت. ويحدث أن تخسر ممثلات الكرة النسوية الوطنية رهان النهائي للنسخة الثانية على التوالي، وشاءت الصدفة أن يتم ذلك على الأراضي المغربية، رغم التعبئة المرفوعة على عدة مستويات للظفر بهذا اللقب القاري.
الورش المرتبط بتطوير الكرة النسوية الوطنية انطلق، في الواقع، منذ سنوات ليست بالطويلة، وفي المقابل أُنفقت عليه أغلفة مالية مهمة من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ويكفي استحضار معطى التعاقد مع المدرب الإسباني، خورخي فيلدا، وهو حديث العهد بإحراز كأس العالم مع منتخب بلاده، سنة 2023، وربما هذا المؤشر يحمل دلالة على حجم الإغراءات المالية المُقدّمة للرجل لقبول عرض الإشراف على منتخبنا الوطني النسوي.
غير أن المشاريع الناجحة لا تُسعفها فقط الجوانب المالية، ولا تُقاس نجاعتها بحجم ما يرُصد من إمكانيات، وقد تبوء بالفشل وتعاني الجمود، إن هي لم تكن مؤطرة بالشكل الملائم، ومُبلورة بالصيغة المناسبة. هناك عُنصر "الحكامة" المُغيّب تقريبا بشكل كامل، حسب ما ألاحظه، في معرض تقييم العمل المُنجز في الكرة الوطنية من طرف جامعة الكرة، والذي ينبغي أن يتأسّس على معادلة الإنفاق مقابل المكاسب، وكيف يجب أن يتطابق هذان العاملان من حيث العلاقة السببية.
والحال أن هذا الاستنفار المادي تُجاه المنتخبات الوطنية بكافة فئاتها، والظروف النخبوية المُهيّأة لها للاشتغال، من بُنى تحتية وأطر وأطقم يستنزفون الكثير، لا يجد له ذلك الصدى الواقعي على صعيد النتائج، فلا يستقيم صرف ميزانيات كبرى من أجل احتلال وصافة منصات التتويج ومُشاهدة الأبطال يرفعون الألقاب، والاكتفاء بدور تنشيط المسابقات دون حيازة الكؤوس، في الوقت الذي ترتبط فيه الحصيلة النهائية دوما بالملموس واعتلاء "البوديوم".
قد يقول قائل إن الكرة النسوية في المغرب لازالت في أشواطها الأولى، ولم تختمر بعد هذه التجربة كي يتّسم تقييمها بالموضوعية الكافية. هذا الطرح لا يخلو من وجاهة، ولا يمكن وصمه بأنه خارج عن النص، بيد أن الحالة المغربية مختلفة تماما، والإحاطة بها تُلزمنا بإبراز الجانب المادي المُخصّص لهذا المشروع، خاصة أننا لسنا بلدا تجوز مقارنته بدول أخرى نفطية تُغدق على المخططات الرياضية بالأموال، وتواصل ذلك، رغم غياب النتائج.
أما حين نتحدث عن التجارب الفضلى، في الكرة النسوية، على سبيل المثال، فنحن نستخلص قواسم مشتركة تتقاطع فيها جميعها، من إسبانيا مرورا بألمانيا ووصولا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا. هذه كلها نماذج انطلقت منذ عقود،
ورصدت إمكانيات مالية على هذا المجال لكنها سرّعت وتيرته بحُسن التخطيط والدراسة الدقيقة للسيناريوهات والمخرجات الكفيلة برفع النجاعة، وبلوغ النتائج الرياضية المرجوة.
في الوضع المغربي، وإذا ما نحن تناولنا فقط الكرة النسوية، يغيب السياق عن معظم الخطابات المتعلقة بهذا الصنف الكروي، ولا ندري إلى أين نحن نتجه ووفق أية رؤية نمضي. لا أحسب أن الرأي العام في قطاع عريض منه يُدرك المرامي التي تُحرّك هذه الدينامية المالية واللوجيستيكية في كرة السيدات، ولم أجد إلا لماما مسؤولا رياضيا مغربيا يستعرض التفاصيل الدقيقة لتصوُّرٍ يملكه حول الكرة النسوية، كما لو أننا باشرنا عملية النهوض بهذا القطاع، بالإنفاق المادي، قبل أن نُدرك أهدافنا الرياضية وما أبعد منها.
المُحاسبة الرياضية الواجبة لحصيلة الكرة النسوية بالمغرب ينبغي أن تستند إلى طبيعة الاستثمارات المادية، وهل هي أثرت بالإيجاب على حُسن التخطيط وصواب الاختيارات الرياضية والبشرية، ولا يجب الاحتماء، من منطلق موضوعي، بأننا بدأنا هذا الورش فقط منذ بضع سنوات، ذلك أن سقف الانتظارات مرتفع وهو مرتبط بحجم ما أُنفق، وعندها فهامش الخطأ يضيق بل يكاد ينتفي، قياسا لما صُرف وسُدّد.
0 تعليق