اعتمد محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، نتيجة امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2024/2025، في مشهد يحمل في طياته الكثير من الأرقام التي تستحق التوقف أمامها، والتأمل في دلالاتها.
فعلى الرغم من أن الإعلان الرسمي أشار إلى بلوغ نسبة النجاح 79.2% بين طلاب النظام الجديد، و72.7% لطلاب النظام القديم، إلا أن هذه النسب لا تعكس وحدها الصورة الكاملة لما جرى خلف أوراق الإجابات، وما تعكسه من أداء تعليمي وتربوي على مدار عام دراسي كامل.
جاءت الأرقام هذا العام لتؤكد استمرار تفوق طلاب النظام الجديد، وهو النظام الذي باتت ملامحه أكثر وضوحًا واستقرارًا، معتمدًا على أسئلة متعددة المستويات وتصحيح إلكتروني بعيدًا عن العنصر البشري. ففي حين خاض الامتحانات نحو 785 ألف طالب وطالبة، جلس منهم 728 ألفًا فعليًا في اللجان، فإن عدد من استطاعوا اجتياز الاختبارات بنجاح بلغ 574،347 طالبًا وطالبة، وهو رقم كبير في ظاهره، لكنه يكشف عند التحليل عن تفاوت واضح في النتائج بين الشُعب المختلفة، وكذلك بين النظامين.
في شعبة علمي رياضة بالنظام الجديد، سجل الطلاب أعلى نسب النجاح على الإطلاق، بنسبة بلغت 85.8%، وهو ما يعكس كفاءة هذه الفئة من الطلاب في التعامل مع الأسئلة ذات الطابع التحليلي والتطبيقي، التي يركز عليها النظام الجديد.
ويبدو أن طلاب هذه الشعبة باتوا أكثر تهيؤًا لطبيعة التقييم، مما مكّنهم من اجتياز الامتحانات بثقة وكفاءة.
في المقابل، سجل طلاب شعبة الأدبي بالنظام نفسه أقل نسبة نجاح بين الشعب الثلاث، بنسبة 73.6%، وهي نسبة لا تزال في النطاق المقبول، لكنها تفتح الباب للتساؤل حول مدى قدرة المناهج وأساليب التدريس الحالية على إعداد الطلاب لتلك النوعية من التقييم.
أما في النظام القديم، فقد كانت الصورة مختلفة. فبالرغم من أنه يُعد الامتداد الأخير للنظام التقليدي القائم على الحفظ المباشر، إلا أن النتائج جاءت أقل من المتوقع، لتسجل نسبة نجاح عامة بلغت 72.7% فقط، اللافت أن شعبة علمي رياضة بالنظام القديم سجلت أدنى نسبة نجاح على الإطلاق هذا العام، عند 68.4%، وهو ما يعكس ربما حالة من الارتباك أو التحدي لدى هؤلاء الطلاب، الذين تخرجوا في ظل نظام لم يعد متسقًا تمامًا مع فلسفة التعليم الجديدة، ومن اللافت ايضا أن طلاب الأدبي بالنظام القديم سجلوا نتائج أفضل نسبيًا، بنسبة نجاح بلغت 73.4%، وهي نسبة قريبة من نظيرتها في النظام الجديد.
تُظهر المقارنة بين النظامين أن التحول نحو الأساليب الحديثة في التقييم بدأ يُنتج أثرًا إيجابيًا، رغم الجدل الذي صاحب هذا الانتقال في السنوات الماضية.
فالنظام الجديد، الذي اعتمد على البابل شيت وأسئلة الفهم بدلًا من الحفظ، أصبح أكثر عدالة ودقة، لا سيما مع تطبيق التصحيح الإلكتروني الذي أزال كثيرًا من الأخطاء البشرية في تقدير الدرجات. ويبدو أن الطلاب بدأوا بالفعل في التكيّف مع هذا النمط، خاصة في الشُعب العلمية التي تتطلب بطبيعتها تحليلًا وفهمًا أكثر من التلقي.
وإذا كان التفوق قد عاد ليستقر في الشُعب العلمية، فإن الشعبة الأدبية لا تزال تواجه تحديات تتعلق بطبيعة المناهج وأساليب التدريس.
فضعف النتائج مقارنة بالشُعب الأخرى بات أمرًا متكررًا في السنوات الأخيرة، وربما يكون دافعًا لمراجعة طريقة إعداد الطلاب داخل هذه الشعبة، كي يتمكنوا من مواكبة المتغيرات المتلاحقة في أساليب التقييم، خاصة مع الاتجاه المستقبلي نحو دمج المهارات الحياتية والتحليلية في كافة المواد.
تجدر الإشارة إلى أن نسبة النجاح العامة هذا العام، والتي تقارب 78.8% عند الجمع بين النظامين، جاءت أقل قليلًا من نسبة العام الماضي التي بلغت 81.3%، إلا أن هذا التراجع يمكن تفسيره بدخول طلاب النظام القديم في احتساب النتيجة الإجمالية، وهم الذين واجهوا صعوبة نسبية في مجاراة النظام الذي لم يعد ملائمًا لطبيعة التطوير القائم حاليًا.
ومع إسدال الستار على امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، تبقى الأرقام حاملة لدروس وعِبر، وتؤكد أن التعليم في مصر يسير بخطى ثابتة نحو التطوير، لكنه لا يزال بحاجة إلى دعم مستمر، لا سيما في الشُعب التي تُظهر تراجعًا، أو في الفئات التي لم تتمكن من اللحاق بركب التغيير بعد.
0 تعليق