لا يخطط كثيرون لمرحلة التقاعد، لا سيما هؤلاء الذين يقضون معظم أعمارهم في خدمة وظائفهم، فلا يشعرون بالوقت رغم احتياجهم للراحة. هم بالفعل يحققون إنجازات يفخرون بها خلال سنوات عملهم، لكن لكل مرحلة عمرية نهاية يجب التعايش معها.
لذلك، فإن محطة التقاعد تحمل في طياتها مشاعر متباينة من الراحة والقلق. فبينما يتطلع البعض إلى الراحة والاسترخاء، قد يشعر آخرون بالفراغ أو فقدان الهدف.
في هذا التقرير نسلط الضوء على نصائح نفسية وعملية تساعد على الانتقال السلس نحو التقاعد، خاصة لأولئك الذين اعتادوا العمل لساعات طويلة ويجدون فيه شغفهم اليومي.
السن المثالية للتقاعد
وفقا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2023، وشملت مواطنين في 18 دولة، فإن الغالبية ترى أن السن المثالية للتقاعد هو 58 عامًا. اللافت أن هذه السن تأتي أقل من متوسط سن التقاعد الرسمي في أغلب الدول، الذي غالبا ما يتراوح بين 60 و67 عامًا. الدراسة تعكس التباين بين السن القانونية للتقاعد وما يراه الناس ملائمًا نفسيا واجتماعيا للتوقف عن العمل.
في حين أكدت دراسة -نُشرت في المكتبة الوطنية الأميركية للطب بعد متابعة حالات آلاف المتقاعدين- أن كل سنة إضافية في العمل بعد سن 65 ترتبط بانخفاض خطر الوفاة بنسبة تصل إلى 11%. وفسّرت الدراسة ذلك بأن البقاء نشيطا ذهنيا واجتماعيا يعزز الصحة العامة، خاصة إذا كان العمل غير مرهق.
وفي المقابل، يشير مقال علمي في موقع "آي اف إل ساينس" إلى أن التقاعد المبكر قد يعود بالنفع الصحي على بعض الفئات، خاصة من يعملون في وظائف مرهقة بدنيا، إذ أظهر التقاعد في هذه الحالة ارتباطا بانخفاض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والسكري.

في الولايات المتحدة، يبلغ متوسط سن التقاعد نحو 62 عاما، بينما يرى غير المتقاعدين أن السن المثالية هو 63 عاما. ورغم توفر خيار التقاعد في سن 65 وما بعدها، فإن كثيرين يختارون مغادرة سوق العمل في أوائل الستينيات، مدفوعين برغبة في الراحة أو التفرغ لأمور شخصية، أو استجابة لتغيرات صحية.
إعلان
بالنظر إلى الدراسات المتنوعة، يمكن القول إن السن المثالي للتقاعد يتراوح بين 58 و63 عاما، حسب الحالة الصحية، والظروف الاقتصادية، وطبيعة العمل.
ولكن إذا كان العمل هو كل حياتك، أو يحتل المرتبة الأولى في أولوياتك، سواء كان ذلك لكسب المال أو تحقيق النجاحات، فكيف تتعايش مع يومك بلا عمل بعد التقاعد. في ما يلي مجموعة من النصائح للتأهيل لمرحلة التقاعد:
أولًا: الاستعداد النفسي للتقاعد
1- تقبّل المرحلة الجديدة كفرصة لا نهاية
التقاعد ليس نهاية، بل بداية فصل جديد يمكن استثماره في النمو الشخصي، أو الهوايات، أو التطوع. التركيز على الجانب الإيجابي يساعد في التخفيف من مشاعر الفقد والفراغ.
2- تخيّل حياتك اليومية بعد التقاعد
توصي الجمعية الأميركية للطب النفسي برسم صورة ذهنية ليومك المعتاد بعد التقاعد. ما الأنشطة التي ترغب في ممارستها؟ هل ستلتزم بروتين محدد؟ هذا يساعد في تهيئة النفس للتحول.
3- إعادة تعريف الذات
الهوية لا تُختزل في الوظيفة. حاول إعادة تعريف نفسك من خلال الأدوار الأخرى التي تقوم بها بصفتك: أبًا، أو أمًا، أو صديقا، أو عضوا في المجتمع، أو صاحب مشروع شخصي.
4- التحدث عن المشاعر
من الطبيعي الشعور بالقلق أو الحزن عند الاقتراب من التقاعد؛ تحدث مع أصدقاء أو مستشار نفسي، ولا تكبت مشاعرك.

ثانيًا: نصائح عملية تساعدك على الانتقال السلس
يشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن من أهم الإستراتيجيات الموصى بها لتسهيل الانتقال إلى التقاعد، خاصة للموظفين الذين يمتلكون شغفًا كبيرًا بعملهم، هو اعتماد نهج التدرج في الخروج من سوق العمل. ويقترح المنتدى أن يؤدي المتقاعدون المحتملون أدوارا مرنة مثل العمل الاستشاري، أو التدريب المهني، أو المشاريع الجزئية، بدلاً من الانسحاب المفاجئ.
هذا النهج لا يساعد فقط في الحفاظ على الشعور بالجدوى والهوية المهنية، بل يُسهم أيضًا في نقل الخبرات إلى الأجيال الجديدة، ويمنح الموظف وقتًا نفسيًا وعمليًا للتأقلم مع مرحلة ما بعد العمل.
1- خطط مسبقا
ابدأ التخطيط للتقاعد قبل موعده بسنوات. ضع خطة مالية، وحدد كيف تريد قضاء وقتك، وتحقق من امتيازات التقاعد المتاحة لك.
2- التدرج في تقليل ساعات العمل
إن أمكن، اطلب الانتقال إلى دوام جزئي أو العمل استشاريا لفترة محدودة، مما يمنحك فرصة التأقلم التدريجي دون انقطاع مفاجئ.
3- خصص وقتا للهوايات المؤجلة
الهوايات التي تم تأجيلها بسبب ضغط العمل أصبحت الآن في متناول اليد. سواء كانت الزراعة، أو التصوير، أو الرسم أو القراءة، هذه الأنشطة تملأ يومك وتغذي روحك.
4- استثمر مهاراتك
فكر في طرق لاستخدام مهاراتك بعد التقاعد مثل التدريب، أو التأليف، أو تقديم استشارات. الخبرة لا تتقاعد، بل يمكن أن تُثمر في مجالات جديدة.
5- تواصل اجتماعيا
من التحديات التي يواجهها المتقاعدون العزلة. حافظ على علاقاتك، وشارك في أنشطة جماعية أو نوادٍ اجتماعية.
ثالثا: نصائح مالية مبكرة
تحقق من استحقاقات المعاش ومصادر الدخل البديلة، وضع ميزانية جديدة تتماشى مع أسلوب حياتك الجديد. واستشر خبيرا ماليا في حال وجود استثمارات أو مصادر دخل متعددة.
التقاعد لا يعني التوقف، بل الانتقال من مرحلة العطاء الوظيفي إلى عطاء من نوع مختلف، عطاء للذات والأبناء والأحفاد، وللمجتمع. وكلما تم الاستعداد له نفسيا وعمليا، كان أكثر إثمارا ورضا. وبالنسبة لأولئك الذين أحبوا عملهم، يمكن للتقاعد أن يكون بوابة جديدة لاستثمار هذه المحبة بطرق غير تقليدية.
إعلان
0 تعليق