تحوّلت دمية "لابوبو" الصينية إلى ظاهرة ثقافية واجتماعية عالمية، وسط اهتمام متزايد من هواة جمع الدمى، والمشاهير، وعشاق الموضة حول العالم.
وعلى الرغم من شكلها غير التقليدي بأسنان بارزة، وعيون لامعة، وأذنين طويلتين مدببتين، فإن الدمية أثارت هوسًا تخطى التوقعات، بل وحققت أسعارًا فلكية في المزادات.
من "الوحوش" إلى الأسواق العالمية
ظهرت شخصية "لابوبو" لأول مرة عام 2015، من خيال الفنان الصيني-الهونغ كونغي كاسينغ لونغ، الذي استوحى تصاميمها من الفولكلور والقصص الطفولية التي عايشها أثناء نشأته في هولندا، حيث هاجر مع عائلته منذ سن السابعة.
"لابوبو" في أصلها تمثل وحشًا صغيرًا غريب الشكل، لكنها محبوبة بطريقتها الخاصة، وتحولت إلى دمية محشوة ملونة بتعاون بين لونغ وشركة "How2Work" في هونغ كونغ، قبل أن توقع الشركة عقد إنتاج ضخم مع "بوب مارت" – الشركة الصينية الرائدة في إنتاج ألعاب التصاميم المحدودة – عام 2019، لتبدأ مسيرة "لابوبو" نحو العالمية.
أكثر من 300 تصميم.. وهوس عالمي متصاعد
أُصدرت دمية "لابوبو" بأكثر من 300 شكل ولون وحجم، لتصبح سريعة الانتشار في الأسواق الآسيوية والعالمية. وتحوّلت خلال أشهر قليلة إلى إكسسوار رائج يتباهى به المشاهير، من أبرزهم المغنية ليسا من فرقة بلاك بينك الكورية، ونجمتا الغناء العالميتان ريهانا ودوا ليبا.
وسرعان ما انتقلت الدمية من رفوف المتاجر إلى مزادات عالمية. ففي 11 يونيو 2025، بيعت نسخة نادرة باللون الفيروزي من "لابوبو"، طولها 131 سنتيمترًا، مقابل 150 ألف دولار خلال مزاد في بكين نظمته دار "يونغلي"، التي وصفت الدمية بأنها "قطعة فريدة من نوعها في العالم". كما شهد المزاد بيع دمى أخرى بأسعار تراوحت بين 100 و120 ألف دولار.
أزمة شعبية.. وإجراءات أمنية
الانتشار الواسع لدمية "لابوبو" دفع شركة "بوب مارت" إلى سحبها مؤقتًا من متاجرها في المملكة المتحدة في مايو الماضي، بعد طوابير طويلة أثارت مخاوف أمنية. وصرّحت الشركة أن الطلب غير المسبوق شكّل عبئًا لوجستيًا دفعهم لتقنين التوزيع.
وفي الولايات المتحدة، رصدت السلطات عملية اقتحام وسرقة لمتجر ألعاب في كاليفورنيا، كان من بين المسروقات عدد كبير من دمى “لابوبو”، أما في سنغافورة، فقد تداولت وسائل الإعلام المحلية لقطات لعائلة قامت بسرقة دمى من آلة توزيع أوتوماتيكية في مركز تجاري.
السوق السوداء.. وتهريب عبر الحدود
الطلب العالمي على الدمية لم يقتصر على البيع القانوني، بل امتد إلى السوق السوداء، وتصدرت "لابوبو" محركات البحث العالمية، خصوصًا بعد تقارير عن ضبط السلطات الصينية لأكثر من 400 دمية تم تهريبها عبر الحدود وبيعها في السوق المحلية بأسعار وصلت إلى 20 ضعف السعر الأصلي، الذي يبلغ نحو 13 دولارًا فقط.
مجتمعات رقمية وازدهار إعادة البيع
صعود "لابوبو" ترافق مع ازدهار سوق إعادة البيع، حيث ظهرت مجتمعات إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستجرام، مخصصة لمشاركة النصائح حول تخصيص الدمى والعناية بها، وتوثيق آخر الإصدارات المحدودة.
كما تطور هذا الهوس إلى ما يشبه الثقافة الفرعية، حيث تُعرض الدمى كقطع فنية، ويتم التنافس على اقتنائها في أسواق المزادات أو عبر منصات البيع الإلكتروني بأسعار باهظة.
من باربي إلى لابوبو.. تحوّل في مفهوم الجمال
ظاهرة "لابوبو" أثارت مقارنات مع دمى أيقونية من العقود الماضية، مثل "باربي" التي ظهرت عام 1959، وحققت شهرتها العالمية في قالب يروّج للجمال الغربي، إلا أن "لابوبو" تمثل تحولًا ثقافيًا، إذ تتحدى المفاهيم التقليدية للجمال والمثالية، وتكرّس لما يمكن تسميته بـ"الجمال الغريب"، الذي يجمع بين الغرابة والعاطفة والتميز.
وبينما يراها البعض "قبيحة"، فإن ملايين المعجبين يجدون فيها شكلًا من أشكال التعبير الفني والحنين الطفولي، وهو ما يجعلها أكثر من مجرد لعبة، بل رمزًا ثقافيًا جديدًا لعصر التواصل السريع والهويات المتعددة.
0 تعليق