البحر العائد من الموت - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجمعة 25/يوليو/2025 - 07:37 م

أضف للمفضلة

شارك شارك

في هذا المقال، نصحبكم في رحلة تمتد ملايين السنين، نكشف فيها الوجه الآخر للبحر الأبيض المتوسط، ذلك الذي جفّ حتى الموت ذات يوم، ثم عاد إلى الحياة بفيضان مروّع. اليوم، وبين تصاعد حرارة الأرض وارتفاع مستوى البحر، تعود المخاوف من غرق قادم يهدد المدن والسواحل.

هل نحن أمام تكرار لمأساة جيولوجية سابقة؟

 كيف يمكن أن يكون البحر الذي نلوذ به هربًا.. هو ذاته من قد يطردنا يومًا من الشاطئ!
ما بين هاربٍ من صخب المدن، أو عاشقٍ يكتب رسائل حبّه على صفحات الأمواج، أو مهاجرٍ أرهقه ضيق الحياة فراح يتأمّل الأفق بأملٍ يائس، تتنوّع الوجوه التي تفد إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسّط، وكأنها جميعًا تتعامل مع البحر كصديقٍ حنون، حارسٍ للأسرار، لا يخذل من ألقى إليه روحه قبل جسده.

لكن تحت هذا الهدوء المائي، يقرأ العلماء حكاية أخرى تمامًا: بحرٌ عرف الموت، واختنق حتى جفّت روحه، قبل أن يبعث من جديد بفعل كارثة جيولوجية ثمّ نهضة مائية مذهلة. وما زال، رغم ظاهره الوديع، يحمل في أعماقه تاريخًا من العنف الصامت.

قبل خمسة ملايين عام، كان الأبيض المتوسّط بحرًا نابضًا بالحياة، يستمدّ ماءه من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق. لكن حدثت زلزلة جيولوجية أغلقت المضيق، فانقطعت صلته بالمحيط، وبات بحرًا محاصرًا، لا منفذ له، ولا حياة تصل إليه.

تحت الشمس الحارقة وحرارة الأرض، بدأ البحر يتبخّر تدريجيًا، وانخفض منسوبه بمقدار يُقدّر بأكثر من 1500 متر، وتحوّل إلى قاع قاحل. على هذا القاع، ترسّبت طبقات من الجبس والملح بلغ سمكها في بعض مناطقه أكثر من 3 كيلومترات. العلماء أطلقوا على هذه الكارثة اسم أزمة الملوحة الميسينية، واستمرت لأكثر من 600 ألف عام، كأنما اختفى البحر في غيبوبة طويلة.

ثم جاءت اللحظة التي أطلقت فيها الطبيعة صرخة الحياة من جديد. تحركت الأرض، وانفتح مضيق جبل طارق مجددًا، فاندفعت مياه الأطلسي كأنها شلال عملاق في مشهد يُعدّ من أكثر الظواهر الدراماتيكية في التاريخ الجيولوجي، فيما يعرف بـ الفيضان الزانكلي. خلال وقت قصير نسبيًا، امتلأ البحر مجددًا، واستعاد شكله الجغرافي، وأعاد الحياة إلى مياهه.

لكن ما مضى ليس مجرد تاريخ مدفون في القاع، بل تحذير من مستقبل قد يعيد السيناريو، ولكن بشكل مختلف. اليوم، تتزايد درجات حرارة الكوكب بوتيرة متسارعة، ويذوب الجليد القطبي، وتتمدّد المياه، في حين تسجّل مستويات البحر الأبيض المتوسّط ارتفاعًا عامًا مقلقًا.
خرائط العلماء تتلوّن بالتحذيرات، والتقديرات تشير إلى احتمال أن تزحف مياه البحر عشرات الأمتار إلى الداخل قبل نهاية القرن الحالي، مهدّدة مدنًا كالإسكندرية، والبندقية، وبنغازي، بل وجزءًا كبيرًا من دلتا النيل.

سؤال المستقبل: من سينجو؟

البحر الذي خجل يومًا واختفى، قد يفيض غدًا بكل جبروته. فثبات البحر وهمٌ بشري، أما هو، ففي قلبه سجلٌ من الانقلابات والتغيّرات. وإذا نظرنا اليوم إلى الأفق فوق مياهه الهادئة، فعلينا أن نتذكّر أن تحت هذه الأمواج تاريخًا من الموت، وفوقها مستقبلٌ لا يزال في طور التكوّن، سؤالًا مفتوحًا على احتمالات العاصفة: من سيشهده؟ ومتى؟ وكيف سنتهيأ؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق