قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد الركن حسن جوني إن العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تُظهر التزاما واضحا بإستراتيجية الاستنزاف اليومي، مشيرا إلى أن استمرار سقوط قتلى في صفوف جيش الاحتلال يؤكد نجاح هذه الإستراتيجية على الأرض.
ورأى جوني خلال تحليل عسكري أن مقتل جندي إسرائيلي اليوم في عملية وصفتها وسائل الإعلام العبرية بـ"الحدث الأمني الصعب"، يندرج ضمن هذا النهج الذي يُبقي الاحتلال تحت الضغط الميداني، ويمنعه من تثبيت أي إنجاز عسكري حقيقي، خاصة مع تكرار الخسائر في المواقع التي يفترض أنها "مؤمنة".
واعتبر أن العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة في المناطق التي يدّعي الاحتلال تطهيرها تُثبت إخفاق عقيدته العسكرية، وتكشف عن هشاشة محاور التوغل التي أقامها في مناطق مثل شرق خان يونس، في محاولة لعزل الجبهات وتقليص ساحة المواجهة.
وكانت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي– قد أعلنت في وقت سابق تفجير عبوة ناسفة في آلية عسكرية إسرائيلية أثناء توغلها جنوب شرق دير البلح وسط قطاع غزة، مؤكدة وقوع إصابات مباشرة في صفوف الجنود، في عملية تمثل جزءا من سلسلة هجمات نوعية تشنها الفصائل ضد القوات المتوغلة.
وأشار العميد جوني إلى أن الاحتلال لجأ إلى شقّ محور يربط بين مناطق شمالية وأخرى جنوبية في محيط خان يونس، في مسعى لعزل شرق المدينة عن غربها وإحكام السيطرة عليها، لكنه فشل في وقف عمليات المقاومة المتكررة، مما اضطره إلى العودة إلى "مربعات أمنية ضيقة" لمواجهة التهديدات.
عجز تكتيكي
وأوضح أن هذا الفشل العملياتي أعاد الجيش الإسرائيلي إلى الاعتماد على ما يسميه "العقيدة الأمنية"، القائمة على التحكم بمربعات محصورة بدلًا من السيطرة الكاملة، وهو ما يدل على عجز تكتيكي وإستراتيجي متواصل في الميدان، رغم مرور أكثر من 9 أشهر على اندلاع الحرب.
إعلان
وفي سياق متصل، علّق جوني على إعلان جيش الاحتلال عن أول توغل بري له في دير البلح منذ بداية الحرب، قائلا إن العملية تهدف للضغط على البيئة المدنية، عبر دفع النازحين باتجاه مناطق أكثر ازدحاما جنوب القطاع، وبخاصة نحو منطقة المواصي.
وأكد أن التوقيت السياسي للعملية، الذي يتزامن مع مسار تفاوضي حرج، يكشف عن محاولة إسرائيلية لاستغلال العمليات الميدانية لتعزيز موقفها التفاوضي، من خلال إحداث تغيير في الوقائع المدنية والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.
ولفت إلى أن تنفيذ العملية بواسطة كتيبة واحدة فقط من لواء غولاني يعكس أزمة بشرية متفاقمة داخل الجيش، مشيرا إلى أن معلومات سابقة تحدثت عن نقص حاد في أعداد الضباط، لا سيما في سلاح الهندسة، مما يُفسر انكفاء الاحتلال عن عمليات واسعة في مناطق أخرى.
وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد أفادت بوجود عجز في الجيش يصل إلى 300 ضابط ضمن صفوف القادة الميدانيين، إلى جانب أزمات مماثلة في وحدات التفكيك والهندسة، وهو ما يعكس الضغوط الهيكلية التي يعاني منها الجيش بعد أشهر طويلة من المعارك المستنزفة.
فرصة للمقاومة
ورأى جوني أن هذا النقص في القوى البشرية يُجبر الاحتلال على تنفيذ عمليات موضعية لا تتناسب مع طبيعة التهديدات، مشددا على أن كل توسع عملياتي بهذه الظروف يشكل فرصة إضافية أمام المقاومة لتوجيه ضربات جديدة تُفاقم خسائر الجيش الإسرائيلي.
وتابع أن إصرار المقاومة على تنفيذ كمائن دقيقة وعمليات تفجير واستهداف مباشر للجنود في مناطق متفرقة يبرهن على قدرتها الاستخباراتية واللوجستية، ويؤكد أن بنيتها العسكرية لم تتفكك رغم القصف الكثيف ومحاولات الإطباق المتكررة.
وكانت الفصائل الفلسطينية قد كثّفت مؤخرا من بث مشاهد مصورة توثق عمليات استهداف الجنود والآليات، في مؤشر على سعيها لتعزيز التأثير النفسي والإعلامي لهذه الهجمات، ورسالة واضحة بأن المعركة لم تُحسم ميدانيا لمصلحة الاحتلال.
وتُظهر المشاهد المنشورة عمليات تفجير وكمائن محكمة ألحقت دمارا واسعا بآليات عسكرية إسرائيلية، وأسفرت عن مقتل وجرح جنود، وسط تأكيدات متكررة من الفصائل أن الاحتلال يتكبد خسائر متواصلة في الأرواح والعتاد.
وتشير إحصاءات جيش الاحتلال إلى مقتل 893 عسكريا وإصابة أكثر من 6100 منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين تقول فصائل المقاومة إن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير، بالنظر إلى ما توثقه من عمليات ناجحة يومية ضد القوات المهاجمة.
0 تعليق