الطوق الأقرب والسور الأبعد - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر 2023 وهي تقاتل على جبهتين؛ الأولى على جبهة وجودها كدولة.. والثانية: على جبهة أمنها القومي، التي تعتمد أساساً على إحياء نظرية الردع عندها، حيث لا تكتمل إلا بإعلانها رسمياً وإقليمياً، بالقوة إذعاناً، من قِبل دول وشعوب المنطقة (القوة الإقليمية المهيمنة). هذه المنطقة تتجاوز مساحتها جغرافياً من هضبة الأناضول شمالاً بالامتداد شرقاً مخترقة الشمال الأفريقي (العربي) إلى المحيط الأطلسي، غرباً. وجنوباً حتى بحر العرب والقرن الأفريقي والصحراء الكبرى على حدود المنطقة الاستوائية في أفريقيا، بما في ذلك شرقاً، وحتى شبه القارة الهندية. وشرقاً: منطقة شرق السويس مروراً بشرق الفرات حتى آسيا الصغرى، على حدود الصين الغربية. مناطق معظمها أراضٍ عربية وإسلامية.

هناك، في نظرية الأمن القومي الإسرائيلية، ربط إستراتيجي بين قضية وجودها والإبقاء على قوة ردع جبارة تغطي حدود كيانها المحلي، بطوقٍ يردع بعنف وبلا رحمة، كل المناطق المحيطة مباشرة بكيانها (منطقة الطوق الأقرب)، من النيل للفرات (شرقاً وغرباً)، بعمق إستراتيجي من شرق السويس، جنوباً، ومن هضبة الأناضول شمالاً وحتى هضبة الجولان والهلال الخصيب وشمال شبه الجزيرة العربية جنوباً. ومن المغرب نزولاً جنوب الصحراء المغربية وحتى موريتانيا، ومن شرق الفرات والقرن الأفريقي وبحر العرب، وبلاد فارس، وحتى أذربيجان شمالاً (السور الأبعد).

دولة صغيرة، لا تملك موارد طبيعية أو مدد بشري، تؤهلها للقيام بدور القوة الإقليمية المهيمنة، في منطقة شاسعة بمواردها البشرية وزاخرة بمواردها الطبيعية وغنية بتراثها الحضاري، رسّخت لوجودها في المنطقة، بتاريخ وجود المنطقة نفسها الجغرافي، بشقيه (البشري والتضاريسي). كيان إقليمي مشكوك في شرعية وجوده، لا يمتلك من الموارد ولا البشر ولا العمق التاريخي ولا الامتداد الجغرافي، يتطلع للقيام بدور إقليمي مهيمن، عجزت قوى كبرى على مر التاريخ المعروف، القيام به، من الهكسوس، وحتى الإمبراطوريات القديمة، إلى عهد الاستعمار الحديث.

صحيح إسرائيل، نجحت في تحييد دول الطوق (الأقرب)، خلال نصف القرن الماضي.. وكذا تعزيز معضلة وجودها باختراق دول السور (الأبعد)، سواء بالتواجد الفعلي والاعتراف بها، بل حتى التطبيع معها، من قبل جيوب في منطقة (السور الأبعد)، في الشمال الأفريقي والخليج العربي وجنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي. إلا أن إستراتيجيتها في فرض ردع فعّال، يُسَوِّق للقبول بوجودها والتطبيع معها، إذعاناً وليس قناعةً، تعرّضت لاختبار صعب ومصيري، منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023.

قطاع صغير من أرض فلسطين (360 كلم مربع)، أثبتت أن إستراتيجية الردع الإقليمي الإسرائيلي، أضعف من مواجهة قطعة أرض متطرفة من حدود فلسطين التاريخية، مكتظة بالبشر ومحاصرة، تهدد إستراتيجية الردع لديها، التي أخافت دول الطوق الأقرب.. ونجحت نسبياً أن تُسَوّقَ لها قبولاً لوجودها من قبل دول (السور الأبعد).

الخطر محدقٌ في المرحلة القادمة على دول وشعوب المنطقة الوسطى العربية (العازلة) بين منطقتي (الطوق الأقرب والسور الأبعد). دول وشعوب هذه المنطقة الوسطى (العازلة) من الناحية الإستراتيجية، دون تطوير خطة إستراتيجية تمتلك قوة ردع مضادة، تصبح هذه المنطقة العربية الوسطى، ليس فقط منطقة نفوذ لإسرائيل ضمن إستراتيجية إسرائيل التوسعية، بل لضعفها (أمنياً) ووفرة مواردها الطبيعية وكبر سوقها، بموقعها ضمن كماشة منطقتي (الطوق الأقرب والسور الأبعد)، تشكّل إستراتيجياً، مجالاً حيوياً للتوسع الجغرافي، للدولة العبرية.

هذا التوسع الإسرائيلي المحتمل خارج نطاق فلسطين التاريخية، يتجاوز فرض وجود الدولة العبرية، لتكون، هذه المنطقة العازلة (المنطقة الوسطى) ضمن حدود هذا الكيان غير المشروع، مما ستكون له أبعاد إستراتيجية وأمنية خطيرة، بتبعات ثقافية وحضارية وتاريخية ودينية ممتدة، ليتحوّل الجدل من مشروعية الكيان الإسرائيلي، إلى التوسع الإقليمي لإسرائيل بما يتجاوز واقع الاحتلال لفلسطين، إلى ادعاءات وأساطير تلمودية، تاريخية ودينية يهودية.

إسرائيل وجِدت بمعونة وتأييد ودعم الغرب المسيحي، ضمن خليط يحمل من التناقضات التاريخية والدينية، للثقافة (المسيحية التواراتية)، ضد التراث والعقيدة الإسلامية، في أرض الرسالات. لا نبالغ إذا ما قلنا إن وجود إسرائيل يمثّل طفرة عصرية حديثة (ثالثة) للحروب الصليبية، في عالم ترتفع فيه تكلفة الحروب إلى مستويات لا مسبوقة، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، قد يقود أي توتر ينتج عنه مستوى لو ضئيل من عدم الاستقرار، إلى نشوب حربٍ أممية، كفيلة بأن تنهي الحياة على الأرض.

أطماع إسرائيل التوسعية على حساب أراضي العرب، تضاريسَ وتاريخاً وبشراً وثقافةً وحضارةً، تمثّل خطراً إستراتيجياً (واضحاً وناجزاً وآنياً)، ليس فقط على أمن العرب القومي، بل على مصير السلام في العالم بأسره، بما فيه أمن حلفائها في العالمَين القديم والجديد، عبر المحيطَين الأطلسي والهادي.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق