حسام أبو صفية "أبو قراط" غزة الذي قدَّم حياة مرضاه على حياته - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن الدكتور حسام أبو صفية مجرد طبيب يعالج المرضى وجرحى الحرب، ولكنه كان كما يقول زملاؤه “أبو قراط” عصره الذي رفض التخلي عن واجبه منذ اللحظة الأولى للحرب وحتى اعتقاله على يد قوات الاحتلال.

وتولى أبو صفية -وهو طبيب أطفال ولد في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1973- إدارة مستشفى كمال عدوان (شمالي قطاع غزة) خلفا لمديرها السابق الدكتور أحمد الكحلوت الذي قتلته قوات الاحتلال بدايات الحرب.

وخلال الشهور التي سبقت اعتقاله، رفض أبو صفية مغادرة المستشفى أو التخلي عن المرضى والجرحى رغم المطالبات والتهديدات الإسرائيلية المتكررة، وظل يعمل تحت القصف والحصار وبلا إمكانيات تقريبا.

أبو قراط العصر

يقول جراح الأطفال المغربي يوسف بو عبد الله إن على العالم استبدال قسَم أبو قراط -الذي يقسم عليه أطباء العالم- بقسم أبو صفية، لأن الأول لم يكن تحت القصف عندما أدى قسمه الشهير، بينما كان أبو صفية يعمل ويدافع ويطالب العالم بالتحرك وهو محاصر داخل مستشفاه الذي رفض الخروج منه.

وفي فيلم "الطبيب الأخير" -الذي يمكن متابعته من هنا– قال هذا الجراح المغربي إن أبو صفية أثبت أنه من أعظم أطباء العصر، بما أظهره من ملكات وإمكانيات.

وعُرف أبو صفية أو (أبو إلياس كما ينادونه) بمناشداته المتكررة التي كان يطلقها عبر شاشة الجزيرة، مطالبا خلالها بإبعاد قوات الاحتلال عن المستشفيات والمرضى، ومنتقدا المواقف المخزية للعالم مما يجري في غزة.

وعلى عكس آخرين غادروا مواقعهم بعدما تأكدت لهم نية الاحتلال اقتحام المستشفيات وقتل من فيها، بقي الدكتور أبو صفية يقوم بواجبه كطبيب رغم إصابته وإصابة ابنه إدريس واستشهاد ابنه إبراهيم الذي دفنه بيده داخل المستشفى.

وعندما قتلت إسرائيل ابنه، قال أبو صفية باكيا إنهم أحرقوا قلبه عليه. ومع ذلك، واصل الرجل الثبات على موقفه الذي اتخذه من أولى لحظات الحرب، وهو عدم ترك المرضى والجرحى وحيدين في مواجهة البنادق والدبابات.

وحتى منزل أبو صفية، قصفه الاحتلال ولم يمنحه سوى 10 دقائق فقط للخروج منه، كما قالت زوجته ألينا التي أكدت أن زوجها كان شديد التأثر بأحوال أطفال القطاع الذين يستشهدون أمام عينيه كل ساعة وهو لا يملك تقديم المساعدة لهم.

إعلان

وفي موقف آخر، رفض أبو صفية ترك 12 طفلا حديثي الولادة (الخدج) داخل المستشفى رغم تهديد الاحتلال باقتحامه، وبقي إلى جوارهم حتى دخل الجنود وأجبروه على إخلاء المكان ونقل المرضى.

وخلال مقابلة أجريت معه قبل اعتقاله، قال أبو صفية إنه يريد أن يثبت للعالم معنى أن تكون طبيبا زمن الحرب، مؤكدا صدمته الكبيرة في المجتمع الدولي ومؤسساته.

وعُرف أبو صفية برعايته الدائمة للمرضى حتى قبل هذه الحرب، وكان حاضرا طيلة الوقت، حسب ما أكده مراسل الجزيرة في غزة أنس الشريف الذي قال إنه هو نفسه تلقى العلاج على يديه عندما كان طفلا، لأنهما كانا جارين في مخيم جباليا شمالي القطاع.

لكن الحرب الأخيرة كانت فاصلة في حياة الطبيب الفلسطيني الذي عمل مع عدد قليل جدا على رعاية المرضى والجرحى تحت القصف الذي كثيرا ما وقع على بعد أمتار منه بينما هو يناشد العالم على الهواء.

وعاش أبو صفية لحظات ترويع كثيرة، حيث كان جنود الاحتلال ينبشون قبور الشهداء المدفونين داخل المستشفى، ويطلقون الكلاب على الجرحى لتنهشهم أمام عينيه.

ورغم تدمير الاحتلال مستشفى كمال عدوان كجزء من كسر قدرة الفلسطينيين على الصمود، فإن أبو صفية واصل العمل فيه بما توفر له من عدد وعدَّة، حتى اللحظة التي قررت فيها إسرائيل إخراج هذا المكان من الخدمة.

آخر صورة للدكتور حسام أبو صفية قبل اعتقاله من الحتلال الإسرائيلي
الدكتور أبو صفية قبيل اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي (مواقع التواصل)

مشهد أيقوني

ففي 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، شاهد العالم كله أبو صفية يتحرك وحيدا بمعطفه الأبيض في أحد الشوارع المجاورة للمستشفى متجها إلى قوات الاحتلال التي طالبته بتسليم نفسه، قبل أن تبدأ تدمير المكان بشكل كامل.

ولا يزال "أبو قراط" الفلسطيني رهن الاعتقال الذي جددته محكمة إسرائيل في 2025/3/25 لمدة 6 أشهر بوصفه "مقاتلا غير شرعي" رغم الانتقادات الدولية الكبيرة لما يتعرض له أبو صفية من تنكيل وصل حد التجويع والتعذيب الجسدي، حسب ما أكدته محاميته.

ووفق من تم اعتقالهم من طاقم المستشفى، فقد طالب أبو صفية قوات الاحتلال بالإفراج عن كافة زملائه، وقال إنه لن يخرج وواحد منهم رهن الاعتقال. وقد تم إطلاق سراحهم جميعا باستثنائه هو.

وبعد شهور من الاختفاء، ظهر أبو صفية في مقيدا ومحاطا بالجنود ومرتديا زي المعتقلين، في مشهد عزز صورته كرجل ضحى بكل شيء لكي يحافظ على أخلاق مهنته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق