الغالبية العظمى من القيادات السورية الدرزية أعلنت، بشكل واضح وقاطع، عن رفضها أى تدخل خارجى، ووأدت الأصوات التى تدعو إلى مثل هذا التدخّل، وأدانت محاولات أو مخططات تقسيم سوريا وزرع الفِتن فيها، وشدّدت على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلى وحقن الدماء. وبغض النظر عمن يحرّك أو يستعمل إرهابيين أو متطرفين، أو «فصائل مسلحة منفلتة»، نرى، كما رأى سعيد نفاع، رئيس «لجنة المبادرة الدرزية»، أن «النظام الجديد فى سوريا يتحمل كامل المسئولية» عما حدث فى محافظة السويداء.
الجولة الأحدث من العنف الطائفى، التى شهدتها سوريا، بدءًا من يوم الأحد الماضى، جاءت بعد شهرين تقريبًا من توقيع اتفاق التهدئة أو المصالحة بين السلطة الانتقالية والدروز، وانتهت مساء أمس الأول الأربعاء، بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ضمّ ١٤ بندًا، ينصّ أبرزها على إيقاف كل العمليات العسكرية، بشكل فورى، وتشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية وشيوخ دروز للإشراف على التنفيذ. وبين بداية هذه الجولة وقبيل نهايتها، شنت إسرائيل سلسلة غارات جوية على العاصمة السورية دمشق، استهدفت مبنى وزارة الدفاع، وقيادة الأركان ومحيط القصر الرئاسى، بزعم حماية الدروز.
ما حدث فى السويداء وغيرها، يؤكد أن أى شرارة ستشعل نارًا، وقودها واقع سياسى معقد، وتدخلات خارجية إقليمية ودولية، وشعور متفاقم لدى العديد من مكونات الشعب السورى بأن المسار السياسى الحالى لا يُمثلهم. ولعلك تعرف أن مصر سبق أن شدّدت مرارًا، بلسان رئيسها ووزير خارجيتها، على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وضرورة بدء عملية سياسية شاملة بمشاركة كل مكونات الشعب السورى، ومكافحة الإرهاب وتجنب عودته أو تصديره. كما أعربت، طبعًا، عن رفضها التام انتهاكات إسرائيل للسيادة السورية، وطالبت بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان، وكل الأراضى السورية المحتلة.
مؤكدة رفضها تدخل إسرائيل، والتزام غالبية الدروز باتفاق مايو الماضى، الذى نص على أن تتولى قوات محلية من السويداء تأمين المحافظة داخليًا، فى حين تظل قوات السلطة الانتقالية على أطرافها، قالت «لجنة المبادرة الدرزية» إن الهدف الحقيقى لحكومة نتنياهو ليس حماية الدروز، بل لـ«أهداف سياسية» تتعلق بالمفاوضات الجارية فى العاصمة الأذرية باكو لإبرام اتفاق أمنى مع الحكومة السورية. وأوضحت الحركة، فى بيان، أن إسرائيل تحاول تخفيف انسحابها من الأراضى السورية المحتلة منذ سقوط نظام بشار الأسد، والاحتفاظ باحتلالها قمم جبل الشيخ، والإبقاء على تسعة مواقع عسكرية أقامتها فى عمق هذه الأراضى، وتريد توريط الدروز فى ذلك، وتجد «مسلحين سوريين» يؤججون الحرب لتسهيل مخططها.
جاء، أيضًا، فى بيان أصدرته «الحركة التقدمية للتواصل» أن «وحدة سوريا ليست بقطع شريان الشام السويداء، ولا باختطاف أبنائها ولا بدمهم المُراق هدرًا». ورأت الحركة أن من حقها وواجبها أن تسأل: «ما الذى حدا ممّا بدا حتّى تنفجر الأحداث الآن، وبعد هذا الوقت الطويل من تفاهمات مايو ٢٠٢٥ والهدوء الذى ساد بعده، إثر البدء الميدانى بتنفيذه؟»، و«مَن صاحب المصلحة فى وأد الاتفاق وتأجيج نار الفتنة وفى هذا التوقيت؟». وبغض النظر عن الإجابات التى يمكنك استنتاجها، أكدت الحركة أن هناك محاولة بائسة لتفجير اتفاق مايو من «قوى مغرضة داخلية وخارجية لا تحمل همّ سوريا ولا همّ دروز سوريا».
.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر أدانت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضى اللبنانية والسورية، وما تشكله من انتهاك سافر لسيادة البلدين العربيين الشقيقين وخرق لقواعد القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وشددت فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، مساء الأربعاء، على الأهمية البالغة لاحترام سيادة لبنان وسوريا والرفض الكامل للتدخل فى شئونهما الداخلية، مؤكدة ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضيهما. كما شددت مصر على أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة من شأنها تعميق حدة التوتر وتمثل عنصرًا أساسيًا لعدم الاستقرار فى البلدين الشقيقين والمنطقة، فى ظل ظرف دقيق تُبذل فيه جهود إقليمية ودولية حثيثة، بمشاركة مصرية فعالة، لخفض التصعيد ودعم الأمن والاستقرار الإقليميين.
0 تعليق