عند البحث في تاريخ نهب الآثار التونسية على امتداد قرنين من الزمن وأكثر تخطر على بالك حكاية "علي بابا والـ40 حرامي"، لكن الفارق الجوهري أن لصوص تلك الحكاية صُوِّروا بوجوه عبوسة مشوهة، في حين أن لصوص مغارة تونس يظهرون بسحنات بيضاء وعيون زرقاء وشعر أشقر، إنهم لصوص، نعم، لكنهم برتب قناصل وعلماء وضباط وباحثين.
من العسير هنا حصر عدد الكنوز والقطع الأثرية التي اكتُشفت في "مغارة تونس" وشقّت طريقها المظلم والملتوي لتُعرض اليوم في متاحف فرنسية وألمانية وإيطالية وأميركية.
بعض التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 2500 قطعة أثرية تونسية في متحف اللوفر وحده، ولا شك أن الحقبة الاستعمارية وما سبقها من سنوات قليلة كانت المرحلة الأكثر كثافة في نقل هذه الثروات لتؤثث متاحف أوروبا ومنازل نُخَبها البرجوازية.
لكن نهب كنوز تونس لم يتوقف بانتهاء الاستعمار الفرنسي، بل استمر بأساليب أخرى حتى يومنا هذا.

في قسم الآثار اليونانية والإترورية والرومانية بمتحف اللوفر الفرنسي (أشهر المتاحف في العالم) ينتصب تمثال من الطين الوردي بعلو 12 سنتيمترا يجسد امرأة فوق ثور تصارع حيوانا مفترسا.
يعود عمر ذلك التمثال إلى ما بين القرنين الأول والثاني للميلاد، وموطنه الأصلي هو مدينة الجم التونسية التي لا تزال تحتفظ بأثر الرومان فيها.
وحسب جذاذة (بطاقة) تعريف التمثال، فإن تلك القطعة اُكتشفت في تونس، وكانت بحوزة ريدون فيما بدا أنه إشارة إلى الرسام الفرنسي أوديلون ريدون.
حصل متحف اللوفر على ذلك التمثال في العام 1913، وهي ليست القطعة التونسية الوحيدة التي كانت بحوزة ريدون الذي وُصف بأنه جامع قطع فنية، فقد وردت في بيانات المتحف 8 قطع أخرى، اشترى المتحف بعضها منه وتبرع ريدون ببعضها الآخر.
إعلان
وبدا من خلال القطع التي كانت بحوزته أنه يهوى جمع القطع التي تعود إلى الحقبة الرومانية، مثله مثل الكثير من جامعي الآثار الخواص الذي نهبوا القبور والمعابد والكنوز التونسية.

دبلوماسيون برتبة لصوص
قبل أن تصبح مستعمرة فرنسية بسنوات قليلة كانت تونس وجهة لما تسمى النشاطات الاستكشافية العلمية.
في تلك الفترة كانت المواقع الأثرية في كل جهات تونس شمالا وجنوبا، شرقا وغربا كنزا مفتوحا للمنقبين عن الآثار القادمين من دول أوروبية، والذين سمحوا لأنفسهم بالاحتفاظ بالقطع الأثرية القيّمة أو المتاجرة بها، وفي أفضل الحالات إرسالها إلى متاحف دولهم.
يذكر كتاب "التراث والمعالم الأثرية في تونس 1881-1920" للباحثة مريم باشا أن جامعي الآثار الأوروبيين الذين استقروا في تونس قبل الاستعمار كان من ضمنهم ممثلون عن الدول الأوروبية الذين قاموا بحفريات لإثراء مجموعاتهم الخاصة أو لتأثيث متاحف بلدانهم، وكان المثال الأبرز عن الدبلوماسيين الأوروبيين السير توماس ريد القنصل البريطاني في تونس بين العامين 1836 و1849.
وتقول الباحثة في كتابها "قام القنصل البريطاني شخصيا بتمويل الحفريات من أجل إثراء مجموعته الخاصة، اكتشف ريد كاتدرائية وأرسل جميع أعمدتها الرخامية إلى لندن، وكان ذلك من خلال إزالة نقش مزدوج من ضريح يعود إلى الحضارة اللوبية البونيقة في مدينة دقة".
وتضيف "كان هذا الضريح المعروف لجميع رحالة القرن الـ19 باعتباره أحد المعالم الأثرية القليلة التي لا تزال قائمة من العصر البونيقي صامدا في حالة جيدة، وظل كذلك حتى العام 1842 عندما قام توماس ريد بفصل النقش المزدوج، مما أدى إلى انهيار الضريح، في العام 1852 وبعد وفاة ريد أُدرجت تلك الأعمدة ضمن مقتنيات المتحف البريطاني".
تمكن المتحف البريطاني أيضا من اقتناء قطع أثرية كانت بحوزة الراهب فرانسوا بوغارد ضمن بعثة الآباء البيض، وهم جماعة كاثوليكية تبشيرية، وذلك بعد أن بيعت تلك القطع إلى رجل يوناني خلال أحد المزادات.
وجدت مئات القطع الأثرية التونسية طريقها إلى مجموعات خاصة للبرجوازية الأوروبية أو متاحف مرموقة في عواصم العالم، وكان ذلك على مدى عقود قبل الاحتلال الفرنسي لتونس سنة 1881.
ويذكر الباحثون أن حمى نهب الآثار التونسية جاءت بعد انتشار الأوصاف الرومانسية لحضارة قرطاج في كتب الرحالة الأوروبيين الذين زاروا تونس.
في تلك الفترة عاشت تونس ضعفا سياسيا واقتصاديا مهّد لاستعمارها، ولم تكن لديها قدرة كافية على حماية ثرواتها، بما في ذلك مواقعها الأثرية التي تضم كنوزا ذات قيمة حضارية عظمى.
ويقول الباحث جاك ألكسندروبولوس في بحث بعنوان "ماذا عن الآثار؟ تونس عبر الزمن" إن شخصية مهمة كانت أهم اللاعبين الأوروبيين في نقل الآثار التونسية إلى متاحف أوروبا في سبعينيات القرن الـ19، وهو إيفاريست بريكو دو سانت ماري الذي عمل مترجما في القنصلية الفرنسية بتونس بين العامين 1872 و1876.
ويقول ألكسندروبولوس" استغل دو سانت ماري فترة إقامته للاهتمام بالنقوش الفينيقية في قرطاج، ورغم أنه حصل على مهمة من وزارة التعليم العام بموجب قرار في 23 مارس/آذار 1874 لتوثيق هذه النقوش فإن نفس القرار نص على أنه إذا لم تعترض قوانين المملكة خروج الآثار، فعلى السيد دو سانت ماري أن يرسل كل الحجارة التي يعثر عليها وتحمل نقوشا إلى باريس".
إعلان
ونقل بريكو دو سانت ماري 39 صندوقا من النقوش وغيرها من الآثار إلى باريس تضمنت 2080 مسلة فينيقية ونقائش يونانية ورومانية وتمثالا كاملا للإمبراطورة سابين.
تم تحميل كل هذه القطع على الفرقاطة المدرعة ماجينتا، لكن عند وصولها إلى تولون في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1875 اندلع حريق على متن السفينة تلاه انفجار في مخزن الذخيرة، وغرقت السفينة في عمق 15 مترا.
استعاد الغواصون حينها 1500 مسلة كانت قد تضررت بشدة جراء الانفجار، بالإضافة إلى التمثال باستثناء الرأس، وتم العثور على الرأس و140 مسلة إضافية خلال التنقيبات التي أجريت في العام 1995.

لم يكن إيفاريست بريكو دو سانت ماري الأوروبي الوحيد الذي استغل مهمته الرسمية للاستكشافات العلمية لصالح بلاده، فقد كان الأمر مشابها إلى حد ما لما قام به القنصل الدانماركي في تونس كريستيان فالبي، وهو الذي يرجع له الفضل في وضع خارطة للآثار الموجودة في قرطاج.
ترأس فالبي جمعية مكلفة بتمويل الحفريات في قرطاج، وذلك من خلال بيع جزء من القطع الأثرية المكتشفة من أجل تمويل عمليات التنقيب.
ويقول ألكسندروبولوس "كانت النشاطات العلمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بتجارة التحف الأثرية ونقلها إلى المتاحف الأوروبية، ويعد القنصل الدانماركي أفضل مثال على ذلك، فقد كوّن لنفسه مجموعة من العملات النقدية التاريخية التي تم إيداعها في متحف كوبنهاغن بالدانمارك، والتي كانت أول بحث شامل عن تاريخ هذه المجموعة النقدية".
ازداد اهتمام الباحثين في مجال التاريخ بالآثار التونسية قبل الاستعمار الفرنسي بقليل، لكن هذا الاهتمام جذب أيضا هواة أوروبيين تحولوا إلى تونس من أجل التنقيب عن الآثار، فقد استفاد مثلا الكونت موريس دي هيرسون من اتفاقية لدعم البعثات العلمية مجانا، وأقنع جول فيري وزير التعليم الفرنسي آنذاك بتكليفه بمهمة علمية مجانية للتنقيب عن الآثار في المدن التاريخية في تركيا وتونس، خاصة في مدينة أوتيك شمالي البلاد.
وحصل الكونت دي هيرسون على تغطية رسمية لمصاريف سفره على الرغم من أنه لم يقم في السابق بأي دراسات في مجال الأبحاث التاريخية، وكان ذلك في ديسمبر/كانون الأول 1880، أي قبل فرض الحماية الفرنسية على تونس بأشهر قليلة.
وذكر الباحث دومينيك راينال في بحث بعنوان "التحديات والمعوقات التي واجهت علم الآثار في تونس في بداية الحماية" تفاصيل مهمة عن الكونت دي هيرسون الذي فتح موقع حفريات كبير ضم 100 عامل في موقع أوتيك، بعد أن أتاح له حميدة بن عياد -وهو أحد أكبر مالكي الأراضي- قطعة أرض، وبحلول أبريل/نيسان 1881 ألغى جول فيري مهمة الكونت بعد خلاف حاد بينهما.
ويقول راينال "رغم ذلك فإن الكونت أكمل أبحاثه، وأرسل عددا كبيرا من القطع الأثرية إلى فرنسا، ونشر عملا يلخص اكتشافاته، وعند عودته استغل الاهتمام الواسع بالحضارة القرطاجية في فرنسا، ونظّم معرضا في إحدى قاعات اللوفر حيث عرض القطع التي تم اكتشافها في أوتيك".

كالعادة.. الاستعمار ينهب التاريخ أيضا
في مايو/أيار 1881 جاء الاحتلال الفرنسي لتونس تحت غطاء الحماية، وبسطت فرنسا سلطتها على إدارة المملكة، بما في ذلك ثرواتها التاريخية.
في تلك الفترة كان الاهتمام ببقايا الحضارة القرطاجية كبيرا جدا في الأوساط العلمية الفرنسية، وبين العامين 1894 و1895 اندلع جدل كبير بخصوص وضعية موقع قرطاج الذي كان مسرحا للنهب المنظم وإتلاف قطعه الأثرية، وأُطلقت حملة تحت عنوان "أنقذوا قرطاج".
واجهت بعثة الآباء البيض التبشيرية اتهامات بقيامها بحفريات دينية وبأعمال بناء على أرض الموقع الأثري، وطالب مؤرخون فرنسيون سلطات بلادهم بالتدخل وبوجوب خضوع الموقع لمصلحة الآثار في الإدارة الفرنسية.
إعلان
يقول الباحث دومينيك رايال "رغم كل تلك الجهود فإن سلطات الحماية بقيت مترددة في اتخاذ قرار واضح خشية الدخول في صدام مع المصالح الكنسية المعقدة".
كانت استباحة المواقع الأثرية في تونس مبررة من سلطة الاستعمار التي تعتبر أن لها ما فوق التراب وما تحته، وأصدرت مراسيم تحت يافطة حماية التراث، لكنها في الواقع أعطت الحق للمنقبين بالاستحواذ على جزء من القطع الأثرية التي يكتشفونها.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو المرسوم الذي صدر بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1882، والذي تنص المادة السابعة منه على تخصيص نصف القطع الأثرية المكتشفة لمقاولي التنقيب.
وأدى ذلك إلى صراعات بين المنقبين أنفسهم، ففي العام 1883 تنازعت شركة السكك الحديدية الفرنسية مع قائد في فوج المشاة الـ83، واختلفا بخصوص حق الملكية بموجب اكتشاف فسيفساء في مدينة حمام الأنف، قبل أن يتوصلا إلى حل وهو تقسيم الفسيفساء إلى نصفين، الأول تحصل عليه تونس والنصف الثاني للطرفين المتنازعين.
قبل العام 1886 تاريخ صدور مرسوم 7 مارس/آذار لم يُمنع تصدير الآثار التونسية إلى الخارج ونقل بعضها إلى المتاحف الفرنسية، واستمر البعض بنقل القطع الأثرية إلى فرنسا تحت غطاء حمايتها من التخريب.
ويقول الباحث دومينيك رايال "كان علماء الآثار المكلفون بمهام في تونس يرسلون القطع الأثرية التي يختارونها إلى فرنسا، وكان رينيه كانيات من أوائل من طبقوا هذه الممارسة، حيث اقترح على كزافييه شارم إرسال قطع ثمينة إلى المتاحف الفرنسية والاحتفاظ بالقطع الأخرى في تونس".
استمرت هذه الممارسة المتمثلة في نقل القطع الأثرية من تونس إلى فرنسا لسنوات عدة، ولكن الظاهرة تباطأت بعد وصول ماري روني دو لا بلانشيير، وذلك بعد إنشاء مصلحة الآثار والفنون وإصدار مرسوم 7 مارس/آذار 1886.
ويُجمع الباحثون على أن سياسة رينيه كانيات -وهو أحد أبرز العلماء الفرنسيين المكلفين بالآثار في تونس في تلك الفترة- ارتكزت على إرسال أجمل القطع الأثرية المكتشفة في تونس إلى باريس، وذلك تحت مبررات علمية، فقد دأب كانيات على إرسال القطع القيّمة ذات البعد الحضاري العالمي إلى المتاحف الفرنسية والإبقاء على القطع ذات القيمة المحلية -حسب تقييمه- في تونس.
وضع مرسوم 1886 سلطة الإشراف على الآثار رسميا بيد فرنسا، وأشرف على مصلحة الآثار في تونس لا بلانشيير الذي تقرب من عدد من الأوروبيين الذين يملكون متاحف خاصة عُمّرت بقطع أثرية جمعوها من خلال القيام بحفريات.
وكان ضمن هؤلاء الجامعين الهواة لويس تيكسيرو، وهو المفتش العام للجمارك في تونس، حيث تكونت مجموعته من قطع أثرية تم اكتشافها في حفريات عشوائية قام بها مبعوثون من وزارة التعليم الفرنسية، وكان من ضمن تلك القطع فسيفساء مسروقة من مجموعة كانيات وقطع أخرى اكتشفت في قرية لمطة التونسية.

البنادق تعاضد معاول نهب الكنوز
منذ عام 1883 -أي بعد عامين فقط من الاستعمار الفرنسي لتونس- لم يكن الجيش الفرنسي راضيا عن قرار حكومي بمعاضدة علماء الآثار في عملهم داخل المواقع الأثرية التونسية.
وتذكر الباحثة مريم باشا في كتابها "التراث والآثار في تونس 1881-1920" نقلا عن أحد مبعوثي وزارة التعليم العام الفرنسية قوله "الجنود لا ينظرون إلينا بعين الرضا، إذ يبدو أنهم يخشون أن نسرق الاكتشافات التي يأملون الحصول عليها داخل مملكتهم التونسية".
دخل الجيش الفرنسي على خط نهب الآثار التونسية، وأخذ يقوم بحفريات بهدف العثور على قطع أثرية وتكوين مجموعات فنية تمكنه من الحصول مقابلها على سعر جيد.
في تلك الفترة كان جزء من الحفريات يمولها الجيش الفرنسي، وبالتالي رأى الجنود الفرنسيون أن من حقهم الاحتفاظ بالقطع الأثرية التي يكتشفونها، وأكبر دليل على ذلك تماثيل رخامية وفسيفساء كانت موجودة في العام 1884 بموقع مينانكس قرب جزيرة جربة، وقد نهبها جنود الجيش الفرنسي.
لم يكن موقع مينانكس الوحيد الذي سرق الجنود الفرنسيون كنوزه، إذ يذكر باحثون موقع طينة أيضا، والذي يبعد بضعة كيلومترات عن مدينة صفاقس، حيث ظل ذلك الموقع الأثري مزارا طوال عقود لهواة قاموا بحفريات سرية، قبل أن تسمح مصلحة الآثار الفرنسية بين العامين 1891 و1892 لعلماء الآثار بإجراء حفريات هناك، واضطرت السلطات الفرنسية إلى الاستعانة بالجيش الفرنسي للإشراف على الحفريات بين العامين 1906 و1907 من أجل مكافحة سرقة الآثار في موقع طينة الأثري.
إعلان
وفي تلك الفترة كان الفوج الرابع للضباط الرماة هو الذي يشرف على إدارة الموقع، وبدأ الجنود باستخراج رفات من مقبرة في شكل صناديق حجرية، وكان الاتفاق أن يُسلّم الجنود كل القطع التي يستخرجونها بعد جردها، لكن اختفت قطع أثرية كثيرة ولم يُعرف مكانها بسبب تغيير مستمر لعناصر الفرقة العسكرية الموجودة هناك.
يقول الكاتب ديفيس ناثان في كتاب "قرطاج وآثارها.. سرد للحفريات والأبحاث في موقع العاصمة الفينيقية بأفريقيا" إن الجنود الفرنسيين حققوا اكتشافات لافتة خلال السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي لتونس".
وأضاف أنهم لم ينشروا قائمة اكتشافاتهم لسببين، إما لنشرها لاحقا في أعمال أكاديمية عالمية أو الاقتصار على الاحتفاظ بقطعهم الأثرية لإثراء مجموعاتهم الشخصية.
وفي تلك الفترة بدا أن الجنود استقلوا عن مصلحة الآثار الفرنسية، حتى أن البعض منهم فكروا ببيع اكتشافاتهم إلى باحث ألماني، في حين تستّر ضباط كبار على الجنود الذين كانوا ينهبون ما يجدون من آثار.
استفاد الجنود الفرنسيون من ثراء المواقع الأثرية في مختلف محافظات المملكة آنذاك، وكان المحظوظون منهم من عملوا في معسكر ساباتييه في مدينة سوسة الثرية بالآثار الرومانية، فقد كوّن هؤلاء مجموعاتهم الخاصة من القطع الأثرية التي اكتشفوها في المقابر الأثرية هناك، وأدرجت السلطات الفرنسية مجموعاتهم الأثرية باعتبارها متاحف تتمتع بامتيازات المتاحف العامة، وسمحت لهم رسميا بالاحتفاظ ببعض القطع التي يكتشفونها.
" frameborder="0">
يقول الدكتور محمد الحبيب عزيزي -وهو أستاذ جامعي مختص في التاريخ الحديث- في تصريح للجزيرة نت إن نهب الآثار التونسية والعربية إجمالا يعود إلى أسباب خاصة، أهمها أنه لا يوجد تقدير للآثار التي سبقت ظهور الإسلام في الثقافة الإسلامية.
ويضيف عزيزي "في تونس، كان الاهتمام بالآثار مرتبطا بقدوم بعثات من الأوروبيين للبحث عن التاريخ الروماني، والذين قادوا حملات استكشاف وحفريات للبحث عما يعتبرونه تاريخهم الخاص في تونس حتى يبينوا أن الأرض التونسية هي إرث من أجدادهم الرومان الذين خلفوا مدنا كثيرة مثل قرطاج وسبيطلة وعشرات المدن الأخرى".
ويتابع "لقد أسس الأوروبيون علم الآثار في تونس بدءا ببناء ما أطلق عليها التونسيون آنذاك دار العجائب، وهي متحف باردو، جميع من اهتموا بتاريخ تونس في تلك الفترة أوروبيون، وبالأساس من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكانت تلك البعثات ترسل كل القطع القيّمة التي يتم اكتشافها إلى بلدانها، وهو ما حصل أيضا في مصر، كل البلدان العربية هي ضحية البحث العلمي الأوروبي، والسبب هو عدم وجود باحثين محليين في تلك الفترة".
لصوص القرن الـ20
بين العامين 2013 و2018 حجزت الداخلية التونسية 35 ألف قطعة أثرية كانت جاهزة للتهريب، ويذكر بحث بعنوان "ثقافة في حالة خراب.. الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، دراسة حالة: الجزائر وتونس" للباحثتين جوليا ستانيارد وريم الذوادي أن شبكة من المهربين المختصين في تجارة الآثار بمدينة الجم التابعة لمحافظة المهدية كانت أكبر حلقات تهريب الآثار والتي بدأت نشاطها قبل الثورة، وارتبطت بزبائن في أوروبا، خاصة في مالطا وإيطاليا.

وفي الواقع، استمر نهب الآثار التونسية في فترات مختلفة بعد الاستقلال، خاصة في فترة حكم الرئيس الراحل بن علي الذي اتهمت عائلته بما يمكن تسميته احتكار تجارة الآثار.
ويذكر بحث "ثقافة في حالة خراب" أن الأمر لم يقتصر على عائلة الرئيس بن علي فحسب، بل شاركت نخب سياسية خلال ذلك العهد في ذلك النشاط غير المشروع.
وتقول الباحثتان جوليا ستانيارد وريم الذوادي اللتان نشرتا بحثهما بناء على عشرات الشهادات من مختلف الاختصاصات "استغلت عائلات النخبة المرتبطة بالنظام سلطتها ونفوذها للسيطرة على الاقتصاد التونسي المشروع وغير المشروع".
ووفقا لمن قابلناهم، أدارت هذه العائلات البارزة عمليات تنقيب غير قانونية، وجمعت قطعا أثرية وقامت بتهريبها إلى الخارج وبيعها هناك.
وأكد المشاركون في المقابلات أن القطع الأثرية من العصرين الروماني والبونيقي توجه عادة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا وإيطاليا وألمانيا، كما تجد العملات الذهبية الإسلامية زبائن لها في أوروبا.
لم يتوقف نزيف تجارة الآثار في تونس بعد العام 2011، خاصة مع دخول منقبين هواة إلى الميدان، وأصبحت الآثار مستباحة أكثر مما كانت عليه من قبل رغم كل الجهود التي تقوم بها الدولة في تفكيك شبكات نهب الآثار والمطالبة بإعادتها من المتاحف الغربية.
0 تعليق