الجمعة 27/يونيو/2025 - 04:44 ص
أضف للمفضلة
شارك شارك
تخيلوا لو مرّ هذا اليوم، يوم 30 يونيو، كما يمرّ أي يوم عادي، دون أن يتحرك فيه أحد… تخيلوا لو خيّم الصمت، ورضخ الشعب، واستمرت جماعة الإخوان في حكم مصر، لكانت مؤسسات الدولة قد تآكلت من الداخل، وسقطت مفاتيح القرار في يد التنظيم، لا في يد الوطن، ولكانت أجهزة الأمن قد تفككت، وسقطت سيناء بالكامل في أيدي الجماعات المتطرفة، وأصبح المواطن المصري في وطنه مطاردًا، وتحوّل الاقتصاد إلى هيكلٍ منهار، والتعليم إلى أداة تلقين، والهوية المصرية إلى غلافٍ ديني متشدد لا يعرف التنوع ولا يعترف بالاختلاف، ولربما أصبحنا، لا قدّر الله، ساحة لحربٍ أهلية يتقاتل فيها الإخوة على فتات وطنٍ ممزق، لكنّ ذلك السيناريو لم يحدث، لأنّ المصريين، في لحظة وعيٍ نادرة، قرّروا المواجهة.
أنا واحد من آلاف الشباب الذين أدركوا أن "الصمت وقتها جريمة، وأن السكوت معناه ضياع وطن"، كنت شابًا بسيطًا، لا أملك سلطةً ولا مالًا، أعمل في مجال الصحافة، وأجتهد لتأمين قوتي اليومي، لكنني كنت على يقين بأنّ الوطن في حاجة إلى كل صوت، وكل خطوة، وكل يد تمتدّ من أجل التغيير.
حملة تمرد
وفي أحد الأيام، ظهرت على مواقع التواصل صفحة بسيطة باسم "تمرد"، لم تكن الحملة معروفة آنذاك، لكن فكرتها كانت واضحة: جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان، تواصلت مع الرقم المعلن، وبدأت أتحرّك مع مجموعة من الشباب داخل محافظة بورسعيد. عملنا بإمكانيات محدودة، لكن بحماسٍ كبير.
لم يكن لدينا تمويل، فقط سياراتنا الخاصة، ونسخ ورقية مطبوعة، وعزيمة شباب آمنوا بأن التغيير ممكن، نظمنا فعاليات، وجمعنا آلاف التوقيعات، وانتقلنا من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى شارع. لكن الثمن كان باهظًا، بدأت التهديدات، ووصل الأمر إلى نشر صورنا على صفحات الجماعة الإرهابية تحت عنوان: "مطلوبون أحياء أو أموات".
اضطررنا إلى إخفاء سياراتنا، وبعضنا غيّر محل إقامته، والبعض الآخر نام في بيوت أصدقاء، هربًا من بطش التنظيم، ثم جاء يوم 27 يونيو، خرجت مسيرات ضخمة في بورسعيد، انتهت بميدان المسلة – ميدان الشهداء.
شهيد ثورة 30 يونيو
وسط الزحام، كان زميلنا صلاح، صحفي يعمل في إحدى الصحف المحلية، يجلس بجهاز الحاسوب المحمول، ويوثق الأحداث، فجأة، أصابه شمروخ في رأسه، فقطعها بالكامل، وترك جسده ينزف أمام أعيننا، كان صلاح أول شهيد في بورسعيد قبيل انطلاق ثورة 30 يونيو.
في اللحظة ذاتها، أُصيب كذلك أبو حمص، أحد كبار مشجعي النادي المصري، والدكتور شريف صالح، أحد القيادات الرياضية، وغيرهما، وسقطا غارقين في دمائهما،
كان المشهد مروعًا، لكنه كان كافيًا لتحويل الغضب الشعبي إلى ثورة حقيقية.
انطلقت الشرارة من بورسعيد، ومنها اشتعلت الميادين في كل أنحاء الجمهورية، وخرج أكثر من 30 مليون مصري إلى الشوارع، يطالبون برحيل الجماعة، ويرفعون راية الوطن من جديد.
وفي أحلك اللحظات، قرّر رجل أن ينحاز إلى الشعب: الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وضع حياته على كفّ الوطن، وانحاز إلى إرادة الجماهير، متحديًا التهديدات، واتخذ القرار الأصعب: إنقاذ مصر، ومنذ ذلك اليوم، كتبت مصر فصلًا جديدًا من تاريخها.
اليوم، وبعد مرور سنوات قليلة، "نستطيع أن نقول بثقة: البلد تغيّرت"، في بورسعيد، التي كنت شاهدًا فيها على تلك اللحظة، رأينا أنفاق قناة السويس، وميناء شرق التفريعة، والمصانع، وشبكات الطرق، والمناطق الآمنة النظيفة، والخدمات الحكومية الرقمية، ومستوى الأمن الذي لم نشهده من قبل.
ثورة 30 يونيو لم تكن لحظة غضب… بل كانت فعل وعي وصحوة وطن، وفي هذه الذكرى، لا بد أن نتذكّر الشهيد صلاح، وندعو له بالرحمة، ونتأمل في المصير المظلم الذي كنا سنصل إليه لو لم نتحرك.
"تحيا مصر… وتحيا دماء أبنائها التي صنعت لنا الحاضر الذي نحياه اليوم"
0 تعليق