%40 من العاملين في أفغانستان أطفال.. والفتيات يعملن في الخفاء - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كابل- في سوق "مندوي" الصاخب وسط العاصمة الأفغانية كابل، يجلس عبد الرؤوف خليلي (12 عاما) أمام إطار دراجة نارية، يحاول إصلاحه بأدوات بالية بينما الزيت يغطي يديه الصغيرتين.

يقول للجزيرة نت "أعمل منذ 3 سنوات. والدي مريض، وأنا المعيل الوحيد لأسرتي المكونة من 5 أفراد. إذا توقفت، لن نجد ما نأكله". هذا المشهد ليس استثناء، بل جزء من واقع ملايين الأطفال في أفغانستان، حيث يدفع الفقر المدقع، والانهيار الاقتصادي، وتراجع المساعدات الدولية بعد عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021، الأطفال إلى سوق العمل في سن مبكرة، في مهن شاقة وخطرة، وسط غياب الحماية القانونية وتدهور التعليم.

ظاهرة متفاقمة بلا إحصاءات رسمية

في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال -12 يونيو/حزيران- اعترفت الحكومة الأفغانية بغياب إحصاءات دقيقة عن عدد الأطفال العاملين. لكن المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الأفغانية سميع الله إبراهيمي أوضح للجزيرة نت أن "الوزارة تدرك انتشار العمالة الشاقة للأطفال، وهي غير قانونية، ويجب التصدي لها".

وأضاف: "الموارد الحالية لا تكفي لتحديد جميع الأطفال العاملين، لذا نطالب المؤسسات الدولية بالتعاون ومشاركة المسؤولية".

وأكد إبراهيمي للجزيرة نت أن مفتشي الوزارة يزورون المناطق التي يعمل فيها الأطفال في ظروف شاقة، ويصدرون تعليمات لأرباب العمل، مع اتخاذ إجراءات قانونية إن تكررت المخالفات. كما كشف أن الوزارة أنشأت دور رعاية في 15 ولاية، استقبلت أكثر من 40 ألف طفل يتيم أو بدون إشراف خلال السنوات الأربع الماضية، موفرة التعليم، والرعاية الصحية، والسكن، والغذاء. لكنه أقر بأن هذه الجهود "لا تكفي لمواجهة حجم المشكلة"، مشيرا إلى أن الفقر المنتشر يعيق التقدم.

هذه الأرقام، وإن بدت مجرّدة، فإن قصص الأطفال من الميدان تكشف الأثر المأساوي لغياب البدائل.

إعلان

وتشير تقديرات حديثة لمنظمة اليونيسيف في عام 2023 إلى أن حوالي 1.6 مليون طفل (5-17 سنة) يعملون في أفغانستان، في مهن تشمل بيع المناديل، وتنظيف السيارات، والعمل في ورش الحدادة، وتصنيع السجاد، ومصانع الطوب. وفي ولاية هرات (غرب البلاد) يروي أحمد نويدي (13 عاما) "أعمل 12 ساعة يوميا في سوق الخردة لجمع المعادن، أكسب 50 أفغانيا (0.71 دولار بناء على سعر الصرف 70.30 أفغانيا للدولار)، لكن الجروح والإصابات جزء من يومي".

وتؤكد منظمات محلية أن عودة حوالي 500 ألف لاجئ من إيران وباكستان منذ 2023، خاصة إلى ولايتي هرات وننغرهار، زادت الضغط الاقتصادي على الأسر، مما دفع المزيد من الأطفال إلى العمل بزيادة تقدر بنسبة 15% في المناطق الحدودية وفق تقرير اليونيسيف لعام 2024.

عبدالبصير حنظلة، باحث في الشؤون الاجتماعية، يسلط الضوء على الأسباب العميقة لعمل الأطفال في أفغانستان، بين أزمة اقتصادية وغياب ال
يسلط الباحث في الشؤون الاجتماعية عبد البصير حنظلة الضوء على الأسباب العميقة لعمل الأطفال في أفغانستان (الجزيرة)

الفقر: المحرك الأساسي لعمل الأطفال

يرتبط تفاقم عمل الأطفال ارتباطا وثيقا بالأزمة الاقتصادية التي بدأت بتجميد 9 مليارات دولار من الأصول الأفغانية في البنوك الغربية عام 2021، وتوقف المساعدات الدولية التي كانت تشكل 75% من ميزانية الحكومة السابقة. ويقول الباحث في الشؤون الاجتماعية والأستاذ السابق بجامعة كابل عبد البصير حنظلة للجزيرة نت: إن "انخفاض قيمة الأفغاني من 80 إلى 70.30 للدولار بين 2021 و2025، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 40% وفق برنامج الأغذية العالمي، جعلا الأسر غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية".

ويضيف حنظلة أن "معدل البطالة بين البالغين يصل إلى 25% وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام (2023)، مما يجبر الأطفال على أن يصبحوا المعيلين الرئيسيين". ويشير تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2023 إلى أن العديد من الأطفال العاملين يعانون من إصابات متكررة أو أمراض مزمنة، مثل التهابات الرئة بسبب الغبار في مصانع الطوب أو مناجم الفحم.

وتفاقمت الأزمة بسبب التضخم، حيث أصبح سعر كيلو الدقيق في كابل يتجاوز 40 أفغانيا (0.57 دولار) في 2025 مقارنة بـ25 أفغانيا في 2020. أما تكاليف الإيجار في المدن الكبرى، مثل كابل وهرات، تراوح بين ألفين-3 آلاف أفغاني شهريا (28-42 دولارا)، وهو عبء ثقيل على الأسر التي تعتمد على دخل الأطفال. ويشير تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2024 إلى أن 70% من الأسر الأفغانية قلّصت وجباتها اليومية إلى واحدة أو اثنتين.

تأثير تغير المناخ على عمل الأطفال

يفاقم تغير المناخ معاناة الأطفال العاملين، خاصة في المناطق الريفية، إذ يشير تقرير الأمم المتحدة في عام 2024 إلى أن الجفاف المتكرر في محافظات مثل بادغيس وغور أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 30% منذ 2021، مما دفع العديد من الأسر الريفية إلى الهجرة إلى المدن الكبرى.

وفي هرات، أفادت منظمات محلية بأن الأطفال المهاجرين من المناطق المتضررة بالجفاف يشكلون 20% من العاملين في أسواق الخردة والورش.

تأثير العمل على التعليم

ووفقا لليونيسيف في 2023، يهدد عمل الأطفال صحتهم النفسية والجسدية ومستقبلهم التعليمي. وتوضح منسقة برامج حماية الطفل في اليونيسيف بأفغانستان سميرة حسيني للجزيرة نت أن "أكثر من 7.8 ملايين طفل خارج المدارس، وكثير منهم يعملون في ظروف خطرة تعرضهم للإصابات، وتؤثر على نموهم النفسي".

إعلان

وفي ضواحي العاصمة الأفغانية كابل، يؤكد سيف الرحمن فضلي، مدير مدرسة "امت" الابتدائية، "نفقد تلاميذ كل أسبوع بسبب انضمامهم إلى سوق العمل. حوالي 30% من طلاب ضواحي كابل يعملون بعد الدوام أو يتغيبون نهائيا".

أما تقرير اليونيسيف، فيشير بدوره إلى أن التسرب المدرسي ارتفع بنسبة 25% منذ 2021، خاصة في المناطق الحضرية. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الأطفال العاملين يفقدون 3-4 سنوات دراسية في المتوسط، مما يرفع معدلات الأمية بين الأطفال دون 15 سنة.

عبدالرؤوف خليلي، 12 عامًا، يعمل وسط أدوات ثقيلة في ورشة لإصلاح الدراجات النارية في كابل. بينما يُفترض أن يكون في المدرسة، تجبره ظروف
يعمل عبدالرؤوف خليلي البالغ من العمر 12 عاما وسط أدوات ثقيلة في ورشة لإصلاح الدراجات النارية في العاصمة كابل (الجزيرة)

الفتيات: ضحايا مضاعفون

تواجه الفتيات تحديات إضافية تجعل عمل الأطفال بالنسبة لهن أكثر قسوة وأقل وضوحا. ففي مدينة مزار شريف عاصمة ولاية بلخ شمالي أفغانستان، تعمل فاطمة نوابي (12 عاما) في حياكة السجاد داخل منزلها لساعات طويلة دون أجر مباشر. تقول بحزن: "كنت أحلم بأن أصبح معلمة، لكن المدارس ممنوعة الآن، والعمل هو كل ما أملك".

وتشير اليونيسيف إلى أن حوالي 40% من الأطفال العاملين فتيات، يعملن غالبا في أعمال منزلية أو حرفية غير مدفوعة الأجر مثل الحياكة والتطريز بسبب حظر التعليم الثانوي منذ 2021.

وتوضح زينب ناصري، وهي باحثة في شؤون المرأة والطفولة، أن "الفتيات يعملن في الخفاء داخل المنازل، مما يجعل توثيق معاناتهن صعبا".

أما تقرير منظمة "نساء من أجل أفغانستان" الصادر سنة 2024، فيشير إلى أن الفتيات العاملات يعانين من الإجهاد المزمن، وآلام المفاصل، والاكتئاب، مع زيادة احتمال تعرضهن للزواج المبكر (28% من الفتيات دون 15 سنة متزوجات).

وقبل عام 2021، دعمت منظمات مثل اليونيسيف، وبرنامج الأغذية العالمي، و"أنقذوا الأطفال" برامج للحد من عمل الأطفال عبر التغذية المدرسية، والمنح المالية، ومراكز التأهيل المهني.

أما تقرير منظمة العمل الدولية الصادر سنة 2023، فيشير إلى زيادة 20% في عمل الأطفال بالمناطق الحضرية منذ 2020 بسبب نقص الدعم.

ورغم أن قوانين العمل الأفغانية تحظر تشغيل الأطفال دون 14 سنة وتمنع عملهم في مهن خطرة، فإن تطبيقها شبه معدوم. ويقول المحامي بشير أحمد كوهستاني للجزيرة نت إن "الإطار القانوني موجود منذ عقود، لكنه غير مفعل بسبب ضعف المؤسسات، ونقص الموارد، وغياب آليات الرقابة. حيث تُفتش أقل من 5% من حالات عمل الأطفال". ويشير مراقبون إلى أن الوزارة لا تملك سوى عدد محدود من المفتشين لتغطية الولايات الـ34، مما يجعل الرقابة غير فعالة.

أحمد نويدي، طفل من هرات يعمل في جمع الخردة.. تعب الطفولة يُختصر في كيس ثقيل ووجه متعب.
يضطر الطفل الأفغاني أحمد نويدي المقيم في هرات للعمل في جمع الخردة لتأمين دخل يكفي لسد رمق أسرته (الجزيرة)

حلول ممكنة وسط التحديات

وتتطلب مواجهة عمل الأطفال نهجا متعدد الأبعاد. ففي ولاية باميان وسط أفغانستان، نجحت منظمة محلية بالتعاون مع اليونيسيف في إعادة 500 طفل إلى المدارس عبر منح 8 دولارات شهريا. وفي ولاية هرات، يتلقى 200 طفل تدريبا مهنيا في النجارة والخياطة. وفي جلال آباد عاصمة ولاية ننغرهار شرقي أفغانستان، تدعم منظمة "نساء من أجل أفغانستان" 150 طفلا، معظمهم فتيات، ببرامج تعليمية.

وفي ولاية بلخ، بدأت منظمة محلية برنامجا لتأهيل 100 طفل عامل في أسواق مزار شريف، مع منح مالية لأسرهم.

وتقترح زينب ناصري إنشاء مراكز تعليمية مجتمعية للفتيات في ولايات مثل قندهار وبادغيس، مع دعم نفسي للأطفال العاملين. وتدعو منظمات إنسانية إلى إعادة تخصيص جزء من الأصول المجمدة (9 مليارات دولار) لدعم برامج الأطفال، واقتراح صندوق دولي مشابه لبرامج الدعم النقدي في الأردن، التي قللت عمل الأطفال بنسبة 30% وفق منظمة العمل الدولية في 2023.

وفي بلد يعاني فقرا يطال 90% من سكانه، يُدفع الأطفال إلى جبهات العمل بدلا من مقاعد الدراسة، مما ينذر بجيل مهدد بالأمية والتهميش. وفي ظل الأزمات المستمرة، يبقى مستقبل الأطفال مرهونا بقرارات الكبار.. بين من يملك المال، ومن يملك القرار.

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق