عندما سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عما إذا كان يخطط لاغتيال المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، والإطاحة بحكومته الذي قد يكون وسيلة لإنهاء الحرب التي اندلعت عندما شنت إسرائيل غارات جوية على الجمهورية الإسلامية الأسبوع الماضي، قال (نحن نفعل ما يتعين علينا القيام به.. وهذا لن يُصعّد الصراع، بل سينهيه).. وفي وقت سابق من نهاية الأسبوع، أشار نتنياهو إلى أن العملية الإسرائيلية (قد تؤدي بالتأكيد) إلى تغيير في القيادة داخل إيران.. ذلك في الوقت الذي أشار فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى أن الصراع المستمر منذ أيام بين البلدين قد يدخل مرحلة جديدة.. في حين تزايدت الدعوات لتغيير النظام في إيران من جانب إسرائيل وحلفائها في واشنطن، إلا أن البعض يرى، أن المشاعر السائدة داخل إيران تركز الآن على الوحدة والحفاظ على تماسك البلاد، (هذه لحظة تجمُّع واضحة حول العلم)، للشعب الإيراني، و(الشيء الأكثر أهمية الذي يفكر فيه الإيرانيون هو الوطن الأم).. وقد أظهر تحليل للمعلومات المتاحة للعامة في إيران، أنه في حين بدا أن هجوم إسرائيل قد وحّد الشعب خلف الحكومة، إلا أن الأمر نفسه لم ينطبق على خامنئي، (قد تكون وحدة إيران قائمة، لكنها لا تلتف حول القائد)، في وقت تشير فيه البيانات إلى (قدر أكبر من السلبية تجاه القيادة الإيرانية، لعدم قدرتها على حماية شعبها)، ربما بتأثير الإعلام الغربي والإسرائيلي على المجال العام في إيران.
في نفس الوقت، ناشد رضا بهلوي، نجل شاه إيران الراحل، الذي يعيش في المنفى بالقرب من واشنطن، قوات الأمن في طهران الانشقاق عن الدولة التي يحكمها رجال الدين، معربًا عن أمله في الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، بعد الضربات العسكرية التي شنتها إسرائيل.. وحمل رضا بهلوي المرشد، علي خامنئي، مسئولية (جر إيران إلى حرب) مع إسرائيل، واصفًا الحكومة في طهران بأنها (ضعيفة ومنقسمة)، وقال في بيان، (قد تسقط.. وكما قلت لأبناء وطني: إيران لكم، وعليكم استعادتها.. أنا معكم. ابقوا أقوياء وسننتصر.. لقد قلت للجيش والشرطة وقوات الأمن: انشقوا عن النظام.. احترموا قسم أي جندي شريف.. انضموا إلى الشعب).. وتوجه إلى المجتمع الدولي بالقول، (لا تمدوا يد العون لهذا النظام الإرهابي المحتضر)، مؤكدًا أنه لا يسعى إلى استعادة النظام الملكي، بل يريد استخدام اسمه لدعم حراك من أجل ديمقراطية علمانية!!.
يُخبرنا توقيت وأهداف الهجمات الإسرائيلية على إيران، أن الهدف القصير الأمد لنتنياهو، هو إلحاق الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية من أجل تقليص برنامجها النووي بشكل كبير.. لكن نتنياهو أوضح هدفًا آخر.. قال إن الحرب مع إيران (قد تؤدي بالتأكيد) إلى تغيير النظام في الجمهورية الإسلامية، مع أن دونالد ترامب رفض خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.. وليس سرًا، أن إسرائيل كانت ترغب منذ فترة من الزمن، في رؤية الحكومة الحالية في إيران تسقط، كما فعل العديد من المسئولين الحكوميين في الولايات المتحدة.. لماذا؟.
يقول الخبراء، إن الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران، ضربت قلب القيادة العسكرية للبلاد وبرنامجها النووي، مما أدى إلى خلق فراغ محتمل في قمة النظام، وقد يعيق ذلك قدرته على التعافي من الهجوم.. ولكن ـ على افتراض أنها لا تزال قادرة على ذلك ـ هناك سيناريو يمكن أن تؤدي فيه الضربات إلى تخلي طهران عن المفاوضات بشأن برنامجها النووي، والاندفاع بدلًا من ذلك نحو بناء قنبلة.. ومن المرجح، أن يكون مقتل كبار الضباط العسكريين الإيرانيين فضلًا عن عدد من العلماء النوويين، قد أثار مخاوف في طهران، من أن الاستخبارات الإسرائيلية اخترقت النظام بشكل عميق، وأن شخصيات أخرى رفيعة المستوى قد تكون أيضًا في خطر، خصوصًا وأن إسرائيل سبق ونفذت في السابق عمليات اغتيال جريئة داخل إيران، استهدفت كبار العلماء الحكوميين المشاركين في البرنامج النووي للبلاد، والزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، عندما كان يزور طهران.
من المرجح أن تكون الموجة الأولى من الضربات العسكرية الإسرائيلية، قد ألحقت أضرارًا جسيمة بالبرنامج النووي الإيراني، لكن إيران لا تزال تحتفظ بمنشآت نووية مدفونة في فوردو وأماكن أخرى، قد تستخدمها إذا قررت الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتراجعت عن التزامها بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.. في هذه الحالة، ستحتاج إيران إلى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة لصنع الأسلحة، وهي خطوة تقنية سريعة بمخزونها الحالي، ثم بناء رأس حربي نووي.. قد يستغرق هذا الجهد عامًا أو أكثر، وفقًا لتقديرات معظم الخبراء.. وقد حث المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في السابع من فبراير الماضي، حكومته على عدم التفاوض مع الولايات المتحدة، قائلًا، إن ذلك سيكون (غير حكيم).
وبينما يحاول ترامب استخدام الهجوم العسكري الإسرائيلي كورقة ضغط على إيران، لدفعها إلى تقديم تنازلات وإلا ستواجه ضربات عسكرية أشد وطأة.. فإن إيران قد تظن أن وقت المفاوضات قد انتهى، فتختار بناء أسلحة نووية، و(أحد المخاطر الاستراتيجية لاستهداف البنية التحتية النووية الإيرانية، هو احتمال رد الفعل العنيف)، لأن الضربات (قد تُحفز طهران على إعادة بناء برنامجها بإلحاح مُتجدد، مدفوعةً بعزمٍ مُتزايد على تحقيق رادع نووي موثوق).. وبما أن إيران استثمرت عقودًا من الجهود وتريليونات الدولارات في بناء برنامجها النووي، ويصوره الزعماء السياسيون الإيرانيون باعتباره مصدرًا للفخر الوطني، ورمزًا لاستقلال البلاد وتقدمها التكنولوجي، فمن المرجح أن تختار القيادة الإيرانية تطوير الأسلحة النووية، بدلًا من التخلي عن البرنامج الذي تعتبره مسعى وطنيًا، الذي (أصبح رمزًا للهيبة والشرف الوطني، السبيل الوحيد لحماية النظام).
وعندما يُقال ويُفعل كل شيء، ويبقى هذا النظام في السلطة، وهو ما يُتوقع، فمن المرجح أن يتخذ الإيرانيون قرارًا ببذل قصارى جهدهم في محاولة التسلح.. وسيتعين على الأمريكيين والإسرائيليين، مع مرور الوقت، إيجاد طريقة للتعامل مع هذا الأمر.. وكتب جوناثان بانيكوف، نائب ضابط الاستخبارات الوطنية السابق للشرق الأدنى في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، ويعمل حاليًا في مركز الأبحاث (أتلانتيك كاونسل)، في تحليل له، (قد تُقرر إيران أن الضربات الإسرائيلية تعني، أن الوقت قد حان ليقرر النظام ما إذا كان سيمتلك قنبلة نووية، إن لم يكن قد فعل ذلك بالفعل.. قد يكون الاستنتاج، أنه لم يعد بإمكانها البقاء على الحياد النووي، وأن عليها الإسراع في امتلاك قنبلة نووية، وإلا ستُخاطر بعدم امتلاكها أبدًا، لأن تأمين السلاح النووي ـ أو القدرة على امتلاك الأسلحة النووية ـ بالنسبة للعديد من الزعماء السياسيين الإيرانيين أمر حيوي لبقاء النظام نفسه).. ولم يكن واضحًا بعد، ما إذا كانت الضربات العسكرية الإسرائيلية قادرة على توجيه ضربة قاضية، تجعل من المستحيل على إيران بناء أسلحة نووية، إلا إنه من المرجح أن الهجوم الإسرائيلي، الذي شمل عمليات تخريبية، قد تسبب في أضرار بالغة للمواقع والمعدات النووية الإيرانية، لدرجة لا تسمح لإيران بالتسرع نحو بناء قنبلة، خصوصًا وأن إيران فوجئت بالهجوم الإسرائيلي، على الرغم من أن إسرائيل أرسلت تحذيرات واضحة لسنوات وفي الأشهر الأخيرة، بأنها لن تتسامح مع البرنامج النووي الإيراني المتقدم، (الإيرانيون أخطأوا مرارًا وتكرارًا في قراءة الإشارات القادمة من إسرائيل).
حتى سلسلة ناجحة من الضربات ضد المواقع النووية الإيرانية، قد تؤدي فقط إلى تأخير قدرة طهران على تطوير القنبلة لمدة تصل إلى عامين، وفقًا لتعليقات سابقة لمسئولين أمريكيين وتقديرات خبراء.. وفي عام 2012، قال روبرت جيتس، بعد وقت قصير من تنحيه عن منصبه كوزير للدفاع الأمريكي، إن الضربات العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، من المرجح أن تفشل في النهاية في منع طهران من تطوير القنبلة، (مثل هذا الهجوم سيجعل تسليح إيران نوويًا أمرًا لا مفر منه.. سيُعمّقون البرنامج ويجعلونه أكثر سرية).
●●●
منذ بدأت إسرائيل هجومها الأخير على إيران، ارتفعت الدعوات لتغيير النظام في إيران أكثر فأكثر، من الصقور في الكونجرس الأمريكي إلى المسئولين الإسرائيليين وبعض الناشطين الإيرانيين في الخارج، بزعم هؤلاء أن الجمهورية الإسلامية أصبحت ضعيفة إلى حد كبير، وأن الوقت قد حان للاستفادة من الاضطرابات الداخلية، والسخط العام لإسقاط المؤسسة الدينية الحاكمة، وعلى رأسها المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.. وهو ما صرّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقناة فوكس نيوز الأحد الماضي، من أن العملية الإسرائيلية (قد تُفضي بالتأكيد) إلى تغيير النظام، لأنّ الحكومة في إيران (ضعيفة للغاية).. وزعم أنّ (80% من الشعب سيُطرد هؤلاء البلطجية الدينيين، الذين يطلقون النار على النساء لمجرد أن شعرهن مكشوف.. يطلقون النار على الطلاب.. إنهم ببساطة يسلبون هذا الشعب الإيراني الشجاع والموهوب الأكسجين)، وقال نتنياهو، (قرار التحرك، والانتفاضة هذه المرة، هو قرار الشعب الإيراني).. لكن خبراء يقولون، إن نتنياهو ربما يُسيء فهم مشاعر الشعب الإيراني، وإن الهجمات قد تأتي بنتائج عكسية.. فحرية التعبير في إيران وإن كانت مقيدة بشدة، فإنه لم تُسمع أي دعوات عامة واسعة النطاق من داخل البلاد للإطاحة بالنظام عقب الهجمات الإسرائيلية، بل إن هذه الهجمات، من المرجح أن تؤدي إلى توجيه الغضب الشعبي تجاه إسرائيل، حيث يتم وضع القضايا الداخلية جانبًا لفترة وجيزة، بينما يفر الإيرانيون إلى الملاجئ.
قال آراش عزيزي، الخبير في الشئون الإيرانية والمقيم في نيويورك، ومؤلف كتاب (ما يريده الإيرانيون)، إن النشطاء الإيرانيون، الذين ناضلوا من أجل الحرية والعدالة طوال حياتهم، يدركون أولًا وقبل كل شيء، أن قيمتهم لا علاقة لها بأشخاص مثل نتنياهو.. إنهم يدركون أن حكومة نتنياهو اليمينية (لا تتوافق إطلاقًا مع قيمهم).. وقد شهدت إيران في السنوات الأخيرة احتجاجات شعبية واسعة ضد النظام، لا سيما في عامي 2022 و2023، اندلعت شرارتها إثر وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر إثنين وعشرين عامًا، أثناء احتجازها من قِبل شرطة الآداب الإيرانية، بزعم عدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح.. ومنذ ذلك الحين، اعتُقل العديد من الناشطين، وسعت السلطات إلى قمع المزيد من الاحتجاجات، مما أثار الخوف مع تزايد الملاحقات الجنائية والإعدامات.. وينتشر الاستياء على نطاق واسع.. لكن الخبراء والإيرانيين الذين يعيشون حاليًا تحت القصف الإسرائيلي يقولون، إن معظم الإيرانيين لا يرون أن نتنياهو أو حكومته لديهما الحل لمشاكلهم الداخلية، ولم يعرب أي منهم عن دعمه لدعوات نتنياهو للثورة، لإنهم لا يرون أن تصرفات إسرائيل تساعد بلادهم، بل إنهم يقولون، (هاجمنا نتنياهو، والآن يتوقع منا الإطاحة بخامنئي بينما نقف في طوابير الخبز والوقود، قلقين على بقائنا؟.. هل يتوقع منا الإطاحة بخامنئي بالصواريخ الإسرائيلية؟.. بالطبع، يسعدنا رؤية قادة هذا النظام ـ الذين تلطخت أيديهم بدماء أبنائنا ـ يُقتلون.. لكن موت الناس العاديين مؤلم).
●●●
في بيان له مساء يوم الجمعة الماضي، قال نتنياهو، مخاطبًا الإيرانيين، إن (الوقت قد حان للشعب الإيراني أن يتحد حول علمه وإرثه التاريخي، من خلال الدفاع عن حريته من النظام الشرير والقمعي).. نعم، يشعر العديد من الإيرانيين بعدم الرضا عن حالة الاقتصاد، وانعدام حرية التعبير، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، ويشكل الهجوم الإسرائيلي تهديدًا حقيقيًا للقيادة الإيرانية.. وتصاعدت الأمور بسرعة، وبعد الهجمات الصاروخية الإيرانية الانتقامية، قال نتنياهو، (هناك المزيد في الطريق).. وربما تحسب إسرائيل أن الهجمات والقتل قد تؤدي إلى زعزعة النظام وتفتح الطريق أمام انتفاضة شعبية.. على الأقل هذا ما يأمله نتنياهو.. لكن هذه مخاطرة كبيرة.. لا يوجد دليل على أن مثل هذه السلسلة من التفاعلات سوف تبدأ في المقام الأول، ولكن حتى لو بدأت، فمن غير الواضح إلى أين قد تقود مثل هذه العملية.
إن أصحاب السلطة الأكبر في إيران، هم الأشخاص الذين يسيطرون على القوات المسلحة والاقتصاد، ومعظم ذلك في أيدي المتشددين في الحرس الثوري الإسلامي وبعض الهيئات غير المنتخبة الأخرى.. إنهم لا يحتاجون إلى القيام بانقلاب لأنهم في السلطة بالفعل، ويمكنهم أن يأخذوا إيران في اتجاه أكثر مواجهة.. ومن بين النتائج المحتملة الأخرى، انهيار النظام، ثم انزلاق إيران إلى الفوضى، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو تسعين مليون نسمة، ومن المتوقع أن يكون للأحداث في هذه الدولة تأثير هائل على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.. ويبدو أن النتيجة التي ترغب إسرائيل في تحقيقها، هي انتفاضة تنتهي بسيطرة قوة صديقة على السلطة، ولكن السؤال الرئيسي هنا هو: من قد يكون البديل، وقد أصبحت قوى المعارضة الإيرانية منقسمة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، ولا توجد خيارات واضحة هنا؟.
بعد الاضطرابات التي اندلعت عام 2022، والمعروفة باسم حركة (حرية حياة المرأة)، التي اجتاحت معظم أنحاء إيران كالعاصفة، حاولت بعض جماعات المعارضة تشكيل تحالف، يضم مجموعة واسعة من الجماعات والناشطين المناهضين للجمهورية الإسلامية.. لكن ذلك لم يدم طويلًا، بسبب اختلاف وجهات النظر حول من يقود الائتلاف، وما سيكون شكل النظام بعد الإطاحة بالنظام الحالي.. وربما يرى زعماء إسرائيل، أن بعض هذه المجموعات أو الشخصيات تشكل بدائل مفضلة.. على سبيل المثال، ولي العهد الإيراني السابق رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق، الذي أطاحت به الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979، ويعيش في المنفى، ويحاول بشكل نشط التأثير على اللاعبين الأجانب لدعم قضيته.. وقد زار إسرائيل أيضًا في السنوات الأخيرة.. ورغم الشعبية التي اكتسبها بين بعض الإيرانيين، فإنه ليس من الواضح، ما إذا كان ذلك يمكن أن يتحول بسرعة إلى قوة لتغيير النظام.
هناك أيضًا منظمة (مجاهدي خلق)، وهي جماعة معارضة منفية، تؤيد الإطاحة بالجمهورية الإسلامية، ولكنها تعارض العودة إلى النظام الملكي.. تأسست كجماعة إسلامية يسارية، وكانت في السابق تعارض الشاه بشدة.. بعد الثورة، ذهب أعضاء هذه المنظمة إلى العراق، وانضموا إلى صدام حسين في أوائل الثمانينيات خلال حربه ضد إيران، وهو ما جعلهم غير محبوبين بين العديد من الإيرانيين.. وتستمر المجموعة في نشاطها، ولديها أصدقاء في الولايات المتحدة، بعضهم قريب من معسكر دونالد ترامب.. ومع ذلك، يبدو أن نفوذها لدى البيت الأبيض أصبح أقل مما كان عليه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، عندما ظهر كبار المسئولين الأمريكيين، بما في ذلك مايك بومبيو، وجون بولتون، ورودي جولياني، في تجمعات (مجاهدي خلق) وألقوا خطابات داعمة لها.
وهناك أيضًا قوى سياسية أخرى، من أولئك الذين يريدون إقامة ديمقراطية علمانية، إلى أولئك الذين يسعون إلى إقامة نظام ملكي برلماني وما إلى ذلك.. وربما يكون من السابق لأوانه، تحليل المدى الكامل للهجمات الإسرائيلية على إيران، ولكن، خلال تبادل إطلاق النار بين إيران وإسرائيل العام الماضي، لم تكن هناك مؤشرات قوية، على أن الإيرانيين رأوا في تلك المواقف فرصة للإطاحة بالنظام.. ولكن للحقيقة، فإن تلك الأحداث لم تقترب حتى من مستوى الدمار الذي خلفته الهجمات الإسرائيلية الحالية.. وهنا، يجب علينا أن نسأل أيضًا: ما هي الغاية النهائية التي تسعى إيران إلى تحقيقها الآن؟.
رغم استهداف عدد من الأهداف في إسرائيل، لا يبدو أن إيران تمتلك الكثير من الخيارات الجيدة.. وقد يرى البعض أن المخرج الأكثر أمانًا، هو الاستمرار في المفاوضات مع الولايات المتحدة، والسعي إلى خفض التصعيد من هناك.. لكن العودة إلى المفاوضات، كما طالب ترامب، تشكل خيارًا صعبًا بالنسبة لقادة إيران، لأن ذلك يعني أنهم قبلوا الهزيمة.. والخيار الآخر، هو مواصلة الهجمات الانتقامية ضد إسرائيل.. ويبدو أن هذا هو الخيار الأكثر رغبة لديهم.. وهذا ما وعد به القادة الإيرانيون أنصارهم.. ولكن حتى لو استمرت الهجمات، فقد يؤدي ذلك إلى إثارة المزيد من الهجمات من قبل إسرائيل.. ومع أن طهران هددت في الماضي، باستهداف القواعد والسفارات والنقاط المهمة الأميكيية في المنطقة.. لكن هذا ليس من السهل تحقيقه، فمهاجمة الولايات المتحدة من شأنه أن يدخلها مباشرة في هذه اللعبة، وهو ما لا تريده إيران على الإطلاق.. ولكن لا يعد أي من هذه الخيارات سهلًا بالنسبة لأي من الجانبين، ومن الصعب التنبؤ بعواقبها.. لا يزال الغبار عالقًا في الهواء، ولن نعرف حتى تستقر أمام العين، ما هية التغييرات التي حدثت.. ويظل السؤال: كيف ستبدو الأمور إذا سقطت الحكومة في طهران؟.
●●●
تأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 بعد الثورة الإيرانية، ويتكون هيكلها الحاكم من عناصر ديمقراطية وثيوقراطية واستبدادية.. كان مؤسس الجمهورية، آية الله روح الله الخميني، يتصور دولة يديرها رجال الدين والفقهاء الإسلاميون، الذين يضمنون التزام جميع السياسات بالشريعة الإسلامية.. وبما أن إيران كانت ملكية دستورية قبل الثورة، فقد تم دمج العناصر الثيوقراطية بشكل فعال فوق العناصر الجمهورية القائمة، مثل البرلمان والسلطة التنفيذية والقضائية.. ولدى إيران هيئة تشريعية أحادية المجلس (مجلس برلماني واحد)، ورئيس (حاليًا مسعود بزشكيان)، وتُجرى انتخابات دورية لكليهما.. لكن، رغم وجود عناصر ديمقراطية داخل هذا النظام، إلا أنه عمليًا يُمثل (حلقة مُغلقة)، تُبقي النخبة الدينية في السلطة وتمنع أي تحدٍّ للمرشد الأعلى.. فهناك تسلسل هرمي واضح، يترأسه المرشد الأعلى.
ظل خامنئي في السلطة لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا، وتولى منصبه بعد وفاة الخميني عام 1989.. تم اختياره، الرئيس السابق لإيران، ليصبح المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء، وهو هيئة مكونة من ثمانية وثمانين عضوًا من فقهاء الشريعة الإسلاميين.. بينما يُنتخب أعضاء المجلس من قِبل الشعب، يجب أن يخضع المرشحون لفحص مجلس صيانة الدستور (المعروف أيضًا باسم المجلس الدستوري)، وهو هيئة قوية تتألف من إثنى عشر عضوًا.. يختار المرشد الأعلى نصف أعضاء هذه الهيئة، بينما يُصادق مجلس الشورى على النصف الآخر.. كما يتمتع المجلس بسلطة التحقق من جميع المرشحين للرئاسة والبرلمان.
في انتخابات العام الماضي، استبعد مجلس صيانة الدستور العديد من المرشحين من الترشح للرئاسة، فضلًا عن مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء، بما في ذلك الرئيس السابق المعتدل، حسن روحاني.. وهكذا، يواجه المرشد الأعلى أزمة شرعية متزايدة لدى الشعب.. وعادةً ما تشهد الانتخابات إقبالًا ضعيفًا.. حتى مع وجود مرشح رئاسي إصلاحي في سباق العام الماضي ـ وهو الفائز النهائي، مسعود بزشكيان ـ كانت نسبة المشاركة أقل من 40% في الجولة الأولى.. ويقوم المرشد الأعلى أيضًا بتعيين القادة بشكل مباشر في الهياكل الحكومية الرئيسية، مثل القضاء والقوات المسلحة والحرس الثوري الإسلامي.
إذن، إيران بعيدة كل البعد عن الديمقراطية.. لكن فكرة أن يؤدي تغيير النظام إلى ديمقراطية كاملة متحالفة مع إسرائيل والولايات المتحدة، مستبعدة جدًا.. السياسة الإيرانية شديدة التناحر.. غالبًا ما تختلف الفصائل الأيديولوجية، كالإصلاحيين والمعتدلين والمحافظين، بشدة حول قضايا سياسية رئيسية.. كما تتنافس هذه الفصائل على النفوذ مع المرشد الأعلى وباقي النخبة الدينية.. ولا تربط أي من هذه الفصائل علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وخصوصًا إسرائيل.. هناك أيضًا فصائل مؤسسية.. أقوى فئة في البلاد هي النخبة الدينية، بقيادة المرشد الأعلى.. أما الفصيل الأقوى التالي، فهو الحرس الثوري الإسلامي، الذي تشكل في الأصل، كنوع من الحرس الشخصي للزعيم الأعلى، والآن أصبحت القوة القتالية للحرس الثوري الإسلامي تنافس الجيش النظامي.. والحرس الثوري الإيراني متشدد سياسيًا للغاية.. في بعض الأحيان، فاق نفوذه الداخلي نفوذ الرؤساء، ممارسًا ضغطًا كبيرًا على سياساتهم.. ولا يدعم الحرس الثوري علنًا إلا الرؤساء الذين يتماشون مع العقيدة الثورية الإسلامية.. وبالإضافة إلى سيطرتها على القوة العسكرية ونفوذها السياسي، فإن الحرس الثوري متشابك أيضًا مع الاقتصاد الإيراني.
يُثري الوضع الراهن الحرس الثوري الإيراني ثرواته بشكل كبير، حتى أن البعض يصفه بمؤسسة )لصوصية).. وكثيرًا ما يُمنح مسئولو الحرس الثوري عقودًا حكومية، ويُزعم تورطهم في إدارة (الاقتصاد الأسود) المُستخدم للتهرب من العقوبات.. وبناء على كل هذا، فمن المرجح أن يكون الحرس الثوري الإسلامي، المؤسسة السياسية الأكثر قدرة على السيطرة على إيران، إذا تمت إزالة النخبة الدينية من السلطة.. في زمن السلم، يُجمع الجميع على أن الحرس الثوري الإيراني لن يملك الموارد الكافية لتدبير انقلاب في حال وفاة المرشد الأعلى. لكن في زمن الحرب ضد عدوٍّ واضح، قد تختلف الأمور.
وأخيرًا، ماذا قد يحدث إذا أقدمت إسرائيل على اغتيال المرشد الأعلى؟.
إن أحد السيناريوهات المحتملة، هو فرض الأحكام العرفية بقيادة الحرس الثوري الإسلامي، والذي يتم تشكيله على الأقل في الأمد القريب لأغراض حماية الثورة.. وفي حالة غير محتملة، تم فيها القضاء على القيادة الدينية بأكملها، فقد يحاول الحرس الثوري، إصلاح مجلس الخبراء واختيار مرشد أعلى جديد بنفسه، وربما حتى دعم ترشيح نجل خامنئي.. وغني عن القول، إن هذه النتيجة لن تؤدي إلى دولة أكثر ودًا لإسرائيل أو الولايات المتحدة، بل قد تُمكّن فصيلًا طالما طالب بردٍّ أكثر تشددًا على كليهما.. السيناريو الآخر، هو انتفاضة شعبية.. ويبدو أن نتنياهو يعتقد أن هذا ممكن، إذ قال في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، (إن قرار التحرك والنهوض هذه المرة هو قرار الشعب الإيراني)!!.. في الواقع، لطالما شعر العديد من الإيرانيين بخيبة أمل تجاه حكومتهم، حتى مع وجود عناصر أكثر اعتدالًا وإصلاحية داخلها.. وفي نهاية المطاف، ليس من المستبعد أن تكون القيادة السياسية الجديدة أكثر ودًا لإسرائيل والغرب.. ومن الممكن أن يحمل الإيرانيون في قلوبهم ازدراءً لقادتهم وللقوى الأجنبية، التي قد تقلب حياتهم رأسًا على عقب.
●●●
■■ وبعد..
في حديثه لصحيفة Le Grand Continent الباريسية، حذر أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة، من أنه (عندما تشعر دولة ما بأنها تتعرض للهجوم، فإن النزعة القومية تميل إلى التكثف).. وردًا على دعوة نتنياهو لانتفاضة في إيران، قال، (لا يمكن إعادة تشكيل المنطقة بالقوة والمواجهة.. قد نتمكن من حل بعض المشاكل على المدى القريب، لكن هذا سيؤدي إلى مشاكل أخرى لا تقل خطورة).. أو كما قال رئيس تحرير صحيفة (أمواج) الإيرانية، على موقع X (تغيير النظام احتمال وارد، ولكنه ليس من النوع الذي يفكر فيه نتنياهو.. من بين النتائج المحتملة على المدى المتوسط لحرب إسرائيل على إيران: إدارة عسكرية، وربما مسلحة بأسلحة نووية)!!.. فإن هذا الصراع لا يدمر البنية التحتية ويودي بحياة المدنيين فحسب، بل يشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا لأسس الحضارة الإنسانية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
0 تعليق