كوالالمبور- في ردهة مركز "آر تي إكس" أحد أكبر المراكز التجارية في العاصمة الماليزية، يصطف المتسوقون لتذوق ثمار المانغو التي وصلت تواً من باكستان.
ولا تقتصر التجربة على المذاق الطازج، بل تمتد إلى عصائر متنوعة، وحلويات مبتكرة، وصولًا إلى الآيس كريم الذي بات المفضل بين الزبائن.
وهكذا، يبدو أن المانغو الباكستانية بدأت تأخذ لنفسها مكانًا ليس فقط في الأطباق، بل في القلوب أيضًا.
أصناف جديدة وهوية سردية
وفي السوق الماليزية، بدأت أسماء غير مألوفة تظهر على صناديق الفاكهة مثل "تشوانسا"، "سيندري"، و"أنور راثور" وقد لفتت هذه الأصناف انتباه رواد شبكات التواصل الاجتماعي، حتى باتت تنافس بجرأة المانغو المحلية الماليزية والتايلندية.

وكل نوع منها يحمل حكاية خاصة به فـ"تشوانسا" مثلًا ارتبطت بشخصية شير شاه سوري، القائد العسكري الشهير في العهد المغولي، وتُزرع في مدينتي ملتان وسهيوال بإقليم البنجاب.
أما "سيندري" التي تنتمي لإقليم السند فهي تقارب "تشوانسا" في الحجم مع اختلاف بسيط في اللون والنكهة، ويفضلها البعض عصيرًا بالحليب لتقليل الحكة التي قد يسببها طعمها القوي.
أما "أنور راثور" فهي مانغو صغيرة الحجم، تفوح منها رائحة عطرية قوية، وتتميز بطعم عسلي. وقد حصلت على اسمها من اسم مزارعها ومُطوّرها، الذي استخدم وسائل التطعيم الزراعي للوصول إلى نوع يجمع بين أفضل صفات المانغو من حيث الذوق والرائحة ويقلل من عيوب الأنواع الأخرى.
لغة الأرقام تتحدث
يقول السفير الباكستاني في ماليزيا، سيد أحسن رضا شاه -في حديثه للجزيرة نت- إن المانغو تُعد واحدة من أكبر صادرات باكستان الزراعية، وقد وضعت الحكومة هدفًا بتصدير 125 ألف طن خلال الموسم الحالي.
وأضاف أن دول الخليج العربي تأتي في صدارة المستوردين لهذه الفاكهة.
إعلان
وبحسب تقرير صادر عن هيئة تطوير التجارة الباكستانية، فقد تجاوزت صادرات باكستان من المانغو 61 مليون دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من بدء الموسم، في مؤشر واضح على اتساع الطلب الإقليمي والدولي.
دبلوماسية ناعمة بنكهة مانغو
ويشير السفير رضا شاه إلى أن باكستان، رغم كونها أول دولة وقّعت اتفاق حوار مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لم تُمنح بعد صفة "شريك حوار كامل".
ويعبّر عن اعتقاده بأن المانغو قد تكون مفتاحًا جديدًا لفتح أبواب اعتُبرت مغلقة سابقًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ويصف هذا النهج بـ"دبلوماسية المانغو".
ويرى السفير أن لكل دولة منتجًا لا ينافسها فيه أحد "والمانغو الباكستانية مثال على ذلك" مؤكدًا أن المستهلكين يهتمون بالنكهة والجودة أكثر من السعر، وأن الفاكهة أصبحت حاضرة في كل من المناسبات الرسمية والاجتماعية على حد سواء.

ثقافة غذاء وقيم مشتركة
بدوره، يرى عثمان أحمد رئيس المجلس التجاري الماليزي الباكستاني أن العلاقات بين الشعوب تبنى على ركائز مثل الثقافة والغذاء والمصالح والقيم المشتركة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "المانغو الباكستانية من أفضل ما يمكن أن تقدمه بلادنا لماليزيا وشعوب المنطقة".
ويضرب مثالًا بفاكهة الدوريان الماليزية التي تُعد من أغلى الفواكه عالميًا، وتحظى بسوق واسعة في دول الإنتاج والاستهلاك، مشيرًا إلى أن الصين أصبحت أكبر مستورد ومستثمر في زراعة الدوريان.
ويرى أن النموذج نفسه يمكن أن يُطبق على المانغو الباكستانية.

تحديات أمام التوسع
وينقل السفير رضا شاه عن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، قوله إن باكستان مرشحة لأن تكون من أكبر المساهمين في الأمن الغذائي لدول آسيان، سواء المنتجات الزراعية أو الحيوانية.
لكن الطريق أمام تعزيز هذه المكانة ليس سهلًا -بحسب السفير- إذ إن الحصول على التصاريح اللازمة لاستيراد الأغذية في ماليزيا يُعد من أبرز العقبات، وهو أمر يُقر به أيضًا مسؤولون ماليزيون وأجانب في مجال التجارة.
وفي السياق نفسه، يشير السفير إلى أن باكستان، كونها دولة ذات غالبية إسلامية ساحقة، لا تولي اهتمامًا كبيرًا لإصدار شهادات "الحلال" داخليًا، في حين تشترط السلطات الماليزية هذه الشهادة لتصاريح الاستيراد.
وتشمل إجراءات "الحلال" فحوصات دينية وصحية وإدارية وضرائبية، مما يطيل أمد العملية.

الصادرات الحيوانية وسباق مع الوقت
أما بالنسبة للحوم والمنتجات الحيوانية، فيوضح السفير أن دولًا ذات بنى تحتية أفضل قد سبقت باكستان في تلبية متطلبات الأسواق الماليزية، بما في ذلك التوثيق المتعلق بـ"الحلال" مما يضع باكستان في موقع تنافسي صعب.
ومن جهته، يلفت رئيس المجلس التجاري الماليزي الباكستاني إلى أن تجاوز هذه العقبات ليس مستحيلًا، فثمة عمل مستمر لاستيفاء المتطلبات الرسمية والوصول لاتفاقيات تجارية منظمة، مؤكدًا أن "الجودة ستتغلب على تكاليف النقل، حتى لو كان بالطائرة".
إعلان
لكنه يُقر بأن التحدي الأكبر يظل لوجستيًا، لأن المانغو فاكهة طازجة عمرها الافتراضي قصير، ويجب إيصالها إلى المستهلك خلال أيام قليلة من قطفها، مما يتطلب شبكات توزيع سريعة ومبردة، وقدرات شحن عالية الكفاءة.
0 تعليق