تشتهر قبرص، الجزيرة المتوسطية الخلابة، بموقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، وبتاريخها الطويل الذي انعكس بوضوح على طبيعتها وثقافتها.
هذه الجزيرة التي تقسمها حدود سياسية وثقافية إلى جزأين متمايزين، الشمال التركي والجنوب اليوناني، تقدم للزائر تجربة سياحية فريدة لا تُنسى. لكن السؤال المهم يظل حاضرا دائما: أيهما أفضل للزيارة؟ الجانب التركي أم الجانب اليوناني؟
تراث شرقي وتاريخ عثماني
شمال قبرص، المعروف بما يسمى جمهورية شمال قبرص التركية، وهي غير معترف بها دوليا، يتمتع بسحر شرقي واضح، حيث تجد المآذن والمساجد التاريخية، تتجاور مع الأسواق الشعبية ذات الطابع العثماني القديم.
تُعد مدينة كيرينيا (غيرنه) من أهم معالم هذا الجانب، إذ تتميز بقلعتها التاريخية ومينائها القديم الذي يعج بالقوارب السياحية والمقاهي الساحلية التي تقدم الأطعمة التركية الأصيلة، مثل الكباب والشاورما والمقبلات المتنوعة.

أما مدينة فاماغوستا (غازي ماغوصة) فتحمل عبقا تاريخيا آخر، حيث تُعتبر المدينة القديمة وهي محاطة بأسوار عريقة تضم آثارا عثمانية وكنائس تاريخية، مثل كاتدرائية القديس نيقولا التي تحولت لمسجد لالا مصطفى باشا.
كما تميز الجانب التركي بالهدوء النسبي وتكاليف معيشية أقل، مما يجعله مثاليا للزوار الذين يبحثون عن استرخاء اقتصادي وتقاليد شرقية عريقة.
ثقافيا، يتمتع الجانب التركي بالترحيب والضيافة التقليدية، مع الحفاظ على اللغة التركية كلغة أساسية، بجانب استخدام اللغة الإنجليزية بشكل شائع بين السكان المحليين.

روح أوروبية عريقة
في المقابل، يتميز الجنوب اليوناني بطابع أوروبي واضح، ويقدم للسياح مزيجا رائعا من التاريخ الإغريقي، والشواطئ الساحرة، والمرافق الحديثة.
تُعد مدينة بافوس من أبرز الوجهات في الجانب اليوناني لقبرص، فهي مدرجة على قائمة للتراث العالمي لمنظمة التربية والعلم والثقافة (يونيسكو) بفضل آثارها القديمة، مثل مقابر الملوك وفسيفساء بافوس المشهورة عالميا.

وأما مدينة ليماسول فتشتهر بشواطئها الرائعة ومنتجعاتها الراقية وحياتها الليلية النابضة بالحيوية، مع عدد كبير من المطاعم التي تقدم مأكولات البحر المتوسط واليونانية اللذيذة مثل الموساكا والسمك المشوي.
إعلان
وتعتبر مدينة أيا نابا هي العاصمة السياحية لهذا الجزء، خاصة لمحبي السهر والترفيه الليلي، إلى جانب شواطئها الفيروزية الخلابة.
ثقافيا، يستخدم الجانب اليوناني اللغة اليونانية كلغة رسمية، ولكن الإنجليزية متداولة على نطاق واسع.
ويمتاز السكان المحليون بحبهم للحياة والاحتفالات التي تُقام على مدار السنة، مع الحفاظ على العديد من التقاليد اليونانية مثل الرقصات الشعبية والمهرجانات الدينية، والتي تُضفي روحا على الجزيرة.
أي الشطرين تختار؟
إذا كنت من عشاق الثقافة الشرقية والتاريخ الإسلامي والمعمار العثماني فسيكون الجانب التركي ملاذك المثالي، وفيما يتعلق بالأسعار فهي منخفضة نسبيا، كما سيمنحنك الترحيب المحلي الدافئ فرصة الاسترخاء والتعرف على عادات شرقية فريدة.

لكن إذا كنت تفضل تجربة أوروبية متوسطية كلاسيكية، مع شواطئ رائعة، وترفيه عصري، ومعالم تاريخية تعود للحضارة الإغريقية، فالجانب اليوناني سيكون بلا شك خيارك، فهناك ستجد حياة نابضة بالطاقة مع مرافق حديثة ومتنوعة.
التنقل بين الجانبين
من الناحية العملية، قد يكون التنقل بين شطري قبرص سهلًا نسبيًا عبر نقاط العبور الرسمية، مما يجعل من الممكن الجمع بين التجربتين في رحلة واحدة إذا أردت الاستفادة القصوى من زيارة هذه الجزيرة.
جزيرة قبرص بوجهين مختلفين، لكل وجه رونقه الخاص وتفرده الثقافي والسياحي. الاختيار بين الجانب التركي واليوناني يعتمد على ذوقك الشخصي، وما تبحث عنه في رحلتك.

ربما يكون الخيار الأفضل هو قضاء وقت كافٍ في كلا الجانبين، لتكتشف بنفسك التنوع الثقافي والبيئي الذي يجعل من قبرص وجهة سياحية مميزة، تقدم مزيجا نادرا من الشرق والغرب، بين التاريخ والحداثة، وبين الراحة والمغامرة.
أماكن وشواطئ لا تفوت
الجانب التركي
- شاطئ السلاحف (Alagadi Turtle Beach) في كيرينيا، مشهور بمياهه الصافية ومحميته الطبيعية للسلاحف.
- قلعة سانت هيلاريون، إحدى أجمل القلاع التاريخية بإطلالتها المبهرة على الجبال والساحل.
- شاطئ ألتن كوم (Golden Beach)، أحد أجمل شواطئ الجزيرة برماله الذهبية ومياهه الكريستالية.

الجانب اليوناني
- شاطئ نيسي (Nissi Beach) في أيا نابا، من أشهر الشواطئ في أوروبا لرماله البيضاء وأجوائه الحيوية.
- صخرة أفروديت (Petra tou Romiou) قرب بافوس، المعروفة بأسطورتها الإغريقية الشهيرة.
- شاطئ لارا (Lara Beach)، المعروف كمنطقة محمية للسلاحف البحرية مع أجواء هادئة ومثالية للاسترخاء.
مدة الزيارة
يُنصح بالبقاء في قبرص بين ثلاثة وستة أيام لتتمكن من استكشاف أبرز المعالم السياحية والشواطئ الساحرة في كلا الجانبين، والاستمتاع بالتجارب الثقافية المتنوعة.
خيارات الإقامة
في الجانب التركي: تتوفر خيارات إقامة بأسعار اقتصادية ومتوسطة، تتنوع بين فنادق صغيرة عائلية وبيوت ضيافة، وتبدأ أسعار الفنادق الجيدة من 35 إلى 70 يورو لليلة في مدن مثل كيرينيا وفاماغوستا.
بعض الفنادق تطل على البحر مباشرة وتقدم وجبة إفطار ضمن السعر.
إعلان
في الجانب اليوناني: أماكن الإقامة أكثر تنوعًا ورفاهية، من فنادق بوتيكية في بافوس إلى منتجعات خمس نجوم في أيا نابا. غير أن الأسعار أعلى نسبيا مقارنة بالشطر التركي، إذ تبدأ من 60 يورو للفنادق المتوسطة، وتصل إلى ما بين 150 و200 يورو في المنتجعات الشاطئية الفاخرة، ولذلك يُنصح بالحجز المبكر في الصيف.

خيارات الطعام
الجانب التركي: تقدم المطاعم المأكولات التركية التقليدية مثل الكباب، الكفتة، المزة، والسمك المشوي، وأما الأسعار في هذه المطاعم فمعتدلة إذ تبلغ كلفة وجبة كاملة لشخصين بين 15 و25 يورو، كما توجد مطاعم عائلية ومقاهٍ بحرية على الميناء بأسعار مناسبة.
الجانب اليوناني: يشتهر بمأكولات البحر المتوسط مثل الموساكا، السلطة اليونانية، الأجبان، والمأكولات البحرية الطازجة. وتبقى أسعار المطاعم في الشطر اليوناني أغلى قليلا، بحيث تتراوح تكلفة الوجبة بين 25 و40 يورو لشخصين.
خيارات التنقل
الجانب التركي: لا توجد شبكة مواصلات عامة واسعة، لذا يعتمد معظم الزوار على سيارات الأجرة أو السيارات المستأجرة (الأسعار ما بين 35 و50 يورو/يوم)، وتبقى المدن في هذا الشطر صغيرة الحجم نسبيًا والتنقل بينها متيسر.
الجانب اليوناني: تتوفر حافلات عامة جيدة التنظيم بين المدن الكبرى (ليماسول – بافوس – أيا نابا)، وتوجد خدمة تطبيقات النقل العالمية مثل أوبر وبولت ولكنها متاحة جزئيا فقط، ويبقى خيار استئجار سيارة مفيد إن أردت زيارة الشواطئ النائية (يترواح سعر التأجير بين 50 و70 يورو لليوم).

الأنشطة الترفيهية
الجانب التركي: يمكنك زيارة قلعة كيرينيا والميناء القديم، والتنزه على شاطئ السلاحف (Alagadi)، فضلا عن الذهاب لاستكشاف مدينة فاماغوستا القديمة والمساجد العثمانية، وتتراوح تكلفة الجولات السياحية اليومية بين 20 و35 يورو.
الجانب اليوناني: يمكن للسائح أن يقصد شواطئ أيا نابا مثل "نيسي بيتش" و"لارا بيتش" للتمتع بالأنشطة الترفيهية، فضلا عن زيارة مواقع أثرية مثل صخرة أفروديت ومقابر الملوك في بافوس، وتوجد أيضا أنشطة بحرية مثل الغوص وجولات القوارب وتقام أيضا حفلات شاطئية بعضها مجاني.
التأشيرات وسهولة التنقل
صحيح أنها قبرص هي جزيرة واحدة ولكن تختلف متطلبات التأشيرة بين الجانبين التركي واليوناني؛ فالجانب الثاني يحتاج إلى تأشيرة شنغن أو تأشيرة قبرصية خاصة لغير مواطني الاتحاد الأوروبي، ويمكن الحصول عليها من السفارات أو القنصليات القبرصية.
أما الجانب التركي (جمهورية شمال قبرص التركية)، فيتميز بسهولة الحصول على تأشيرات سياحية تُمنح عند الوصول أو إلكترونيا عبر الإنترنت.
0 تعليق