بنما سيتي ـ سمح قِصر المسافة بين المحيطين، الهادي والأطلسي، في منتصف جمهورية بنما، بجعلها من أسهل المواقع التي يمكن منها زيارة سواحل المحيطين، والوصول من محيط إلى آخر في أقل من ساعة.
وتستغرق الرحلة، التي يبلغ طولها 89 كيلومترا، بالسيارة أقل من ساعة، انطلاقا من قلب العاصمة بنما سيتي الواقعة في حضن المحيط الهادي، وصولا إلى قلب مدينة كولون على ساحل المحيط الأطلسي، ولا يوجد مكان آخر في العالم يمكنك العبور منه بين المحيطين برا بهذه السرعة.
وتقع بنما في أميركا الوسطى، على حدود البحر الكاريبي والمحيط الهادي، وبين كولومبيا وكوستاريكا، وتبلغ مساحتها 75 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها أقل من خمسة ملايين نسمة.
وتعد واحدة من الدول القليلة على وجه الأرض التي يمكنك القيادة فيها من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي في يوم واحد، بل في ساعة واحدة.
وتوفر تجربة السفر بين المحيطين كبسولة مكثفة عبر تاريخ طويل، وجغرافيا فريدة، وثقافة متنوعة، وطبيعة خلابة.

البداية: بنما سيتي والمحيط الهادي
تعد العاصمة بنما سيتي البوابة الأساسية لقناة بنما، وتلعب المدينة دورا مهما في التجارة العالمية وفي تقديم الخدمات اللوجيستية، وهي مدينة نابضة بالحياة، تمزج بين الحداثة والعراقة والتقاليد المحلية اللاتينية وتقاليد السكان الأصليين.
وبصفتها المركز الاقتصادي والمالي للبلاد، فإن اقتصاد مدينة بنما يعتمد على الخدمات، ويرجح بشكل كبير نحو البنوك والتجارة والسياحة. كما تساهم أنشطة التجارة والشحن المرتبطة بقناة بنما ومرافق الموانئ الواقعة في مرفأ بالبوا المجاور، بشكل كبير، في تحريك عجلة الاقتصاد في المدينة.
وتنتشر في بنما سيتي الأبراج وناطحات السحاب، إلى جانب كثير من المناطق الفقيرة والمهمشة والعشوائية. وتأخذنا السيارة عبر طريق الشمال، وطريق بنما-كولون السريع، وبعد مغادرة المدينة تشق السيارة الطريق السريع وسط محمية طبيعية في محيط غابات استوائية مطيرة، غنية بحياتها البرية.
وعلى جانبي الطريق، تصاحبنا الغابات المطيرة والتلال المتدحرجة والمناظر الطبيعية الخضراء في أغلبها.

وتتمتع الغابات الاستوائية حول قناة بنما بحيوية مناخية، وأمطار غزيرة في الفترة من أبريل/نيسان إلى نوفمبر/تشرين الثاني، وتوفر هذه الأمطار المياه اللازمة لتشغيل بحيرات ومجاري القناة المتنوعة.
إعلان
ويوازي الطريق، في أجزاء واسعة منه، قناة بنما، ويمكن في بعض الأحيان مشاهدة قمم السفن الضخمة التي تعبر ببطء بحيرة جاتون.
وفي بداية الطريق، نمر بسكان حضريين بأصول مختلفة في بنما سيتي، ثم نشاهد مجموعات من السكان الأصليين في المناطق الريفية في منتصف الطريق، إلى أن نصل إلى تجمعات يغلب عليها السكان من أصول أفريقية كاريبية في مدينة كولون.

النهاية: كولون والمحيط الأطلسي
تنتهي الرحلة في مدينة كولون على ساحل المحيط الأطلسي، وهي مدينة غنية بالإرث الأفريقي، وارتبطت نشأتها ووجودها بسكة حديد بنما وبناء القناة لاحقا. وتضم المدينة واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم.
تقع كولون على ساحل البحر الكاريبي (المحيط الأطلسي)، ولا يزيد عدد سكانها على ربع مليون نسمة، وهي مدينة ساحلية تاريخية، معروفة بأهميتها الإستراتيجية وثقافتها الأفريقية الكاريبية النابضة بالحياة.
تأسست كولون في منتصف القرن التاسع عشر كمحطة على المحيط الأطلسي لسكة حديد بنما، وكانت منذ فترة طويلة بمثابة بوابة رئيسية للتجارة والشحن.
وتعكس المدينة مزيجا ثقافيا غنيا، شكلته تأثيرات منطقة البحر الكاريبي وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها، مثل عدم المساواة الاقتصادية والتدهور الحضري، والذي يتجلى في وفرة المناطق الفقيرة والمعدمة، فإن المدينة لا تزال تشكل مركزا تجاريا ولوجيستيا لبنما، بفضل إشرافها على مدخل ومخرج القناة على جانب الأطلسي.
وتشتهر كولون بكونها مركزَ جذب للعديد من المهاجرين والمغامرين من خارج بنما، الساعين إلى تحقيق كسب مادي سريع.
ولكولون إرثٌ كبير كرمز عسكري، حيث كانت مقرا للقواعد العسكرية الأميركية الأكبر في بنما على مدار ما يقرب من قرن، إلى أن انسحبت القوات الأميركية بنهاية عام 1999.
ومع التدهور الاقتصادي للمدينة، غادر العديد من سكانها من الطبقة العليا والمتوسطة، مما قلل من تنوعها العرقي، وبدأت مجتمعات المغتربين الجدد، خاصة اليهود والمسلمين والصينيين، بالانتقال إليها من بنما سيتي، لاغتنام الفرص الاقتصادية التي وفرها خروج النخبة.
0 تعليق