حين أكل الهولنديون "رئيس وزرائهم".. القصة المروّعة ليوهان دي ويت - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في أحد أكثر فصول التاريخ الأوروبي وحشية، وخلال العصر الذهبي الهولندي الذي أهدى العالم فن الرسام الهولندي الكبير رامبرانت وابتكار المجهر (الميكروسكوب)، وقعت جريمة غير معتادة لا تزال مثار تندر وسخرية.

ففي العشرين من أغسطس/آب عام 1672، قام حشد من الغوغاء في لاهاي بقتل وسحل رئيس وزراء الجمهورية الهولندية، يوهان دي ويت، وشقيقه كورنيليس. لم يكتف الحشد بذلك، بل علق جثتيهما رأسا على عقب، ومثل بهما، وأكل أجزاء من لحمهما، وباع أصابعهما وألسنتهما كتذكارات. لتكتب فصول قصة مروعة عن انهيار النظام، وغضب الجماهير، ونهاية حقبة سياسية بأكثر الطرق دموية.

حين انقلبت هولندا على نفسها

بدأت الحكاية في عام 1672، الذي نقشه الهولنديون في ذاكرتهم باسم "عام الكارثة" (Rampjaar). فبعد عقود من الازدهار في عصرها الذهبي، وجدت الجمهورية الهولندية نفسها فجأة في أزمة وجودية. تعرضت البلاد لهجوم منسق من قوى أوروبية كبرى، وتمكنت فرنسا من الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضيها في غضون أسابيع. مع تقدم الأعداء، انهار الاقتصاد، وشهدت بورصة أمستردام انهيارا كبيرا، وعم الذعر البلاد.

في خضم هذه الفوضى، انقلب السكان على حكومتهم. بحثوا عن كبش فداء، ووجدوه في شخص رئيس الوزراء، يوهان دي ويت.

كان دي ويت، الذي ينحدر من عائلة برجوازية حاكمة، يمثل "حزب الولايات"، وهو تكتل من الأوليغارشية الثرية التي حكمت الجمهورية. لقد حقق نجاحا باهرا منذ توليه منصبه عام 1653 وهو في الـ28 من عمره، حيث أعاد تنظيم الشؤون المالية للبلاد ووسع تفوقها التجاري. لكن سياسته الرئيسية كانت تقوم على إبقاء منصب "الحاكم العام" (رئيس الدولة بالوراثة) شاغرا، لمنع صعود أمراء أسرة أورانج إلى السلطة.

على الجانب الآخر، وقف ويليام الثالث، أمير أورانج، الذي كان ينظَر إليه على أنه "رجل الشعب" وبطل الأمة. كان أنصاره، المعروفون بالأورنجيين، يرون فيه المنقذ الوحيد من الكارثة العسكرية، وسعوا لإعادته إلى السلطة التي استبعد عنها والده بموجب معاهدة سابقة.

إعلان

وفي ظل الهزائم العسكرية، تأجج الصراع بين الفصيلين، ولعبت المنشورات وحملات الأخبار الكاذبة دورا رئيسيا في تأجيج غضب الشارع ضد الأخوين دي ويت.

مؤامرة في سجن الميناء

بدأت النهاية تتشكل في يونيو/حزيران 1672، عندما تعرض يوهان دي ويت لمحاولة اغتيال نجا منها بصعوبة، مما دفعه للاستقالة من منصبه بعد شهرين. لكن خصومه لم يكتفوا بذلك. تم إلقاء القبض على شقيقه، كورنيليس، بتهمة ملفقة وهي التخطيط لاغتيال ويليام الثالث، ملك إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا وهو من سلالة أمراء أورنج الهولنديين.

تأجج الهجوم على الأخوين بسيل متواصل من الدعاية الخبيثة التي زعمت أنهما فاسدان ويتآمران مع أعداء الجمهورية. وفي يوم الجريمة، تم استدراج يوهان لزيارة شقيقه في زنزانته بسجن "الميناء" (Gevangenpoort) في لاهاي، بناء على طلب خادمة السجان. لقد كان فخا محكما.

Ornament At The Entrance Johan De Witthuis Building At Den Haag The Netherlands 24-10-2018; Shutterstock ID 2145149213; purchase_order: AJA; job: ; client: ; other:
جدارية عليها صورة يوهان دي ويت (شترستوك)

عندما حاول يوهان مغادرة السجن، كان حشد غاضب ينتظره في الخارج. وفي لحظة حاسمة، انسحب فوج الفرسان الذي كان من المفترض أن يحمي بوابة السجن. حاصرت مليشيات الأورنجيين المكان، وأطلقت العنان لغضب رجالها.

اقتحم رجال المليشيا بوابة السجن، وسحبوا الأخوين دي ويت إلى الشارع. توفي كورنيليس على الفور متأثرا بضربات من أعقاب البنادق والطعنات. أما يوهان، فقد طعن في وجهه بحربة قبل أن تنهي رصاصة في رأسه حياته.

لكن الحشد الهائج لم ينته بعد. جردت جثتاهما من ملابسهما، وسلختا، وشقتا، ثم علقتا على المشنقة العامة. قام رجال المليشيا بقطع أصابع أيديهما وأقدامهما، وآذانهما وأنوفهما، وأعضائهما التناسلية. وفي ذروة الجنون الجماعي، تم أكل أجزاء من جثتيهما، بما في ذلك كَبِداهما.

الإرث المظلم

شكل هذا الاغتيال المروع نهاية حاسمة للفترة الجمهورية الأولى. استولى ويليام الثالث على السلطة كحاكم عام، وبدأ عصر جديد. أما السجن الذي شهد هذه المأساة، فقد حُول إلى متحف تاريخي لا يزال قائما حتى اليوم، ويمكن للزوار دخوله ورؤية المكان الذي دبرت فيه نهاية رئيس الوزراء المأساوية.

تعد هذه الجريمة المزدوجة من أغرب الأحداث في التاريخ الهولندي. وفي متحف لاهاي التاريخي، لا يزال يعرض لسان وعظمة إصبع، يقال إنهما يعودان للأخوين دي ويت، كشاهد صامت على وحشية ذلك اليوم.

لاحقًا، أصبح كثيرون ينظرون إلى يوهان وكورنيليس دي ويت كضحيتين للغوغائية السياسية والتعصب، وتستخدم قصتهما الآن كتحذير من خطر انهيار النظام الديمقراطي تحت ضغط الجماهير والعنف السياسي.

نقوش على اللحم والعظم

بعد المذبحة، وُجدت ورقة كتبت عليها أبيات رثاء شعرية، وكأنها شهادة أخيرة على ما حدث. تقول القصيدة التي حملت عنوان "نقوش على الأخوين دي ويت، 1672":

على أبواب لاهاي تزهق الأرواح

وتغتال الحكمة في وضح الصباح

سقط العدل في دم الحاكمين

واستحال الشعب سيفا من رماح

كانا صوت العقل في زمن الجنون

وهما نوران في ليل الظنون

حملا الحكم بلا تاج ولا خيل

وبنيا دولة ترجى وتصان

لكن الغوغاء حين تثور

تأكل أبناءها بلا شعور

من شقوق الجهل يخرج الوحش

ويبتلع من أنار الدرب بالنور

إعلان

يا كورنيليس، يا يوهان

ما خانتكما سوى الأوطان

وما استحق الشعب حِلمكما

إذ باع العدل للمذبح بأثمان

فليكتب التاريخ بالأظفار

لا بالحبر، ولا بالأقلام

نقشا على اللحم والعظم

بأن الموت كان أنبل من سلام

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق