أفادت إدارة متحف في شرق فرنسا بأن أحد زواره تناول -الأسبوع الماضي- "الموزة المليونية"، في أحدث تصرف من هذا النوع يقع على العمل الفني الذي بيع بملايين الدولارات وأثار جدلا عالميا.
وأفاد متحف بومبيدو ميتز بأنّ "موظّفي الأمن تدخّلوا بسرعة وهدوء"، بعدما أكل الزائر الموزة السبت الماضي.
وأكد أن العمل الفني، وهو عبارة عن موزة مثبتة على الحائط بشريط لاصق، "أُعيد تركيبه في غضون دقائق".
وأعرب الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان الذي بيع عمله الفني "كوميديان" لقاء 6.2 ملايين دولار في نيويورك العام الماضي، عن خيبة أمله لأن الشخص لم يأكل أيضا قشرة الموزة والشريط الفضي اللون.
وقال "تناول الزائر الفاكهة فقط".
وبما أن الموزة قابلة للتلف، يتم استبدالها باستمرار نزولا على تعليمات الفنان.
واشترى جاستن صن، وهو رجل أعمال صيني أميركي ومؤسس منصة "ترون" للعملات المشفرة، العمل الفني العام الفائت، ثم تناوله أمام الكاميرات.
" frameborder="0">
وأثار العمل الفني جدلا منذ ظهوره للمرة الأولى في معرض آرت بازل 2019 في ميامي بيتش، إذ كشف -بلغة تهكمية مريرة- التناقض الصارخ في عالم يُمكن أن تساوي فيه موزة واحدة ثروة طائلة بينما يعاني كثيرون الفقر والجوع.
وترتبط هذه الحادثة بفنٍ مفاهيمي معاصر يطرح أسئلة حول ماهية الفن وقيمته، وتسخر من سوق الفن ونخبة الأثرياء، وأوضح كاتيلان أنّ عمله هو تعليق ساخر على سوق الفن التي سبق أن انتقدها لكونها قائمة على المضاربة ولا تخدم الفنانين بشكل فعلي، وترتفع فيها أسعار الأعمال بشكل خيالي وتُعامل كسلع استثمارية
وكان الفنان ديفيد داتونا قد تناول "كوميديان" عام 2019، قائلا إنه شعر "بالجوع" خلال معاينته العمل في معرض ميامي.
ماهية الفن؟
ترتبط هذه الحادثة بفنٍ مفاهيمي معاصر يطرح أسئلة حول ماهية الفن وقيمته، ويسخر من سوق الفن ونخبة الأثرياء، كما أنها أثارت نقاشات واسعة حول حدود الإبداع الفني وعلاقته بالجمهور.
إعلان
وحاول بعض النقّاد إضفاء تفسيرات رمزية على الموزة، فقد رأى مالك معرض بيروتين (ممثل كاتيلان) أنها رمز للتجارة العالمية، وذهب آخرون إلى تشبيه الموزة المثبتة بالمنجل والشريط اللاصق بالمطرقة في رمز يوازي علم الاتحاد السوفياتي، بل وحتى اعتبروها تعليقا على اضطهاد ما تسمى "جمهوريات الموز" .
مع ذلك، قابل كاتيلان كل هذه التأويلات بسخرية وتهكم قائلا إن الموزة هي محض موزة"، في إشارة إلى خلو عمله من أي ادّعاء بمعنى عميق مباشر.
ومفارقة هذا التصريح تكمن في أن تفاهة المظهر هي بحد ذاتها رسالة فنية ماكرة، إذ ينبع ذكاء العمل من جعله شيئا عاديا تماما. بهذا الأسلوب يضع كاتيلان المتلقي أمام سؤال جوهري في الفن الحديث: هل يمكن لأي شيء مألوف أن يكون فنا إذا ما وُضع في السياق المناسب؟

ومنذ ظهوره الأول، تجاوز "كوميديان" كاتيلان حدود قاعات الفن ليصبح ظاهرة إعلامية عالمية بامتياز، فسرعان ما انتشرت صور الموزة المثبتة عبر الإنترنت وتحولت إلى مادة ساخرة وميمز.
رأى البعض في بيع "موزة بشريط لاصق" بثمن فلكي دليلا على أن عالم الفن قد جُنّ جنونه، إذ عنونت صحيفة نيويورك بوست ساخرة: "الأمر صار موزا (جنونيا)! عالم الفن فقد عقله" ، في إشارة إلى أن ما يحدث يفوق حدود المعقول.
في حين دافع آخرون عن العمل باعتباره استفزازا متعمدا يحقق غايته؛ فبساطة الفكرة وابتذالها الظاهري هو بالضبط ما يدفعنا للتأمل وإعادة تقييم مفهوم الفن. وبدا أن الضحالة المتعمدة في هذا العمل هي ما أكسبه عمقا من نوع خاص، فالفكاهة هنا أداة نقدية تكشف تهافت المظاهر في سوق الفن الحديث.
0 تعليق