19 يوليو 2025, 5:54 مساءً
تُعد الأدوات التقليدية جزءًا أصيلًا من التراث المادي، ونافذةً تنفتح منها الأجيال على أنماط الحياة القديمة، وتكشف عن مهارة الإنسان في تطويع موارده الطبيعية لتلبية احتياجاته اليومية، بعيدًا عن مظاهر الترف، وقريبًا من نبض الحياة البسيطة التي عاشها الأجداد.
ويؤكّد مختصون في التراث المادي أنّ أبسط الأدوات المنزلية تحمل بين تفاصيلها قيمةً تاريخيةً كبيرة؛ حيث توثّق مستوى التصنيع المحلي، وتعكس العلاقة الوثيقة بين الإنسان وبيئته.
ففي الزراعة التقليدية، مثَّل المنخل الخشبي أداةً جوهريةً لفصل الشوائب عن الحبوب، بفضل تصميمه المتين من الخشب وشبكته الليفية المقاومة للرطوبة وحرارة الصحاري، وظلّ مستخدمًا حتى مطلع السبعينيات في بعض القرى السعودية.
وفي ظل انفتاح منطقة الخليج على التجارة العالمية في القرن التاسع عشر، برزت "أباريق الغضّار" المطلية بالمينا، التي جمعت المتانة وجمال الزخرفة وسهولة التنظيف، وتصدّرت المجالس الشعبية لتغدو اليوم رموزًا تراثية تحكي دفء اللقاءات القديمة.
وكانت كاوية الفحم المصنوعة من حديد الزهر الحل العملي قبل الكهرباء لكيّ الأقمشة الثقيلة، إذ تُسخَّن بداخلها الجمرات لتنقل الحرارة إلى القاعدة، مما يمنح الملابس مظهرًا أنيقًا رغم ثقل الأداة، التي تُصنّف اليوم تحفة صناعية تجمع بين البساطة والدقة.
ولعبت النخلة دورًا مهمًا يتجاوز الغذاء، إذ استُخدم خوصها في صناعة السلال والحُصر التي وفّرت مصدر دخل موسميًا للأسر، ورسّخت حِرفة اجتماعية متوارثة تُجسّد عمق الترابط بين الإنسان والبيئة.
ومن ثمار القرع الجاف صُنعت "القِرعة" التي استُخدمت لحفظ الماء أو اللبن البارد، بفضل خصائصها المسامية التي تعزز التبخّر الطبيعي، وغالبًا ما كانت تُعلّق عند مداخل البيوت، لتوفّر الماء العذب للمارّة في مشهد إنساني أصيل.
وتبذل الهيئات الثقافية والمختصون جهودًا في توثيق هذه الأدوات، وترميمها، وعرضها في المتاحف والمتاجر التراثية، ضمن سياقات تعليمية تُبرز دور البيئة المحلية في تشكيل نمط الحياة، حيث يمثّل الحفاظ على هذا التراث المادي استثمارًا في الذاكرة الوطنية، تاركًا شواهد نابضة تروي بصمتها حكايات العزم والابتكار.
0 تعليق