في قلب الجغرافيا السورية التي أنهكها الصراع، تتقدم القبائل كقوة مجتمعية ضاربة الجذور، تمتلك شرعية الأرض، وتحمل في ذاكرتها سردية الانتماء والتهدئة.
من الجنوب إلى الشرق، ومن الجزيرة إلى البادية، تتحرك القبائل بمسؤولية تُعيد ضبط المشهد، حين يتراجع من بيده القرار.
السويداء حملت مشهدًا ناطقًا بهذا التحول، حيث تجمّعت قبائل عريقة: البكارة، والعقيدات، وعنزة، وشمر، والجبور، والمحاميد، والدليم، وكنانة، وبني صخر، والنعيم، وبني خالد، والظفير، والفضول، والموالي، والشرابيين، والعدوان، والعبيد، واللهيب، والمسالمة، والقطان، والرفاعي، والحريري، والزعبي، والمشاهدة، والفدعان، والعمارات، والبو شعبان، وخفاجة؛ في مشهد تجاوز الإطار العشائري نحو إعلان واضح لتحمّل المسؤولية الوطنية.
القبائل في سورية لا تُنتظر لتشارك، بل تتحرّك حين تتطلب الأرض من ينهض بها.
هذا الحراك لم يُولد كرد فعل، بل كموقف أصيل متجذر في ثقافة تعتبر حماية الأرض شرفًا، والسكون على الفوضى خيانة للمبدأ.
بيان المجلس الأعلى للعشائر حمل دلالة دقيقة: التزامٌ بكل ما يصدر من الدولة، ودعوة إلى بسط نفوذها على كامل التراب السوري وهذا تأكيد على أن القبيلة شريك في صناعة التوازن، لا متفرج على هشاشته.
السلاح في يد رجال القبائل لم يخرج من فوضى، بل تحرّك بانضباط يعكس معرفة دقيقة بالزمن والموقع.
في مجتمع تشظّت فيه الولاءات، حافظت القبيلة على ثباتها، فلم تتغير مواقفها بتغير الرايات، ولم ترهن قرارها لأجندات مستوردة.
وحين تغيب المؤسسات، تملأ القبيلة الفراغ لا عبر الشعارات، بل عبر الانتماء المسؤول.
وفي سورية، القبائل اليوم لا تبحث عن سلطة، بل عن وطن يتسع لها ولغيرها، دون تهميش ولا وصاية.
هذا هو المشهد.. حضور قبلي عاقل، يُعيد الاعتبار لصوت الضمير العربي في زمن تصدعت فيه الهويات..
أخبار ذات صلة
0 تعليق