يُمثل تعثر قطاع البناء في أميركا أزمة للرئيس دونالد ترامب، فعلى الرغم من أنه أرجأ مجددًا فرض الرسوم الجمركية "التبادلية" حتى أول أغسطس/آب، فإن التزامه الرئيس بإنعاش الصناعة الأميركية من خلال السياسات الحمائية لا يزال قويا كما كان دائمًا، وفق ما أشارت إليه صحيفة الإيكونوميست البريطانية في تقرير لها.
وتساءلت الصحيفة: هل تستطيع البلاد بناء المصانع والمستودعات والجسور اللازمة لإعادة التصنيع، وبالسرعة الكافية؟
ونوهت الصحيفة بأنه إذا أرادت الإدارة الأميركية تحقيق طموحها بالفوز في سباق الذكاء الاصطناعي، فسيتعين عليها تكثيف بناء مراكز البيانات والبنية التحتية الكهربائية كذلك.
ويزيد الطلب على المشاريع بصورة كبيرة، إذ ذكرت شركة تيرنر للإنشاءات -أكبر شركة بناء تجارية في أميركا- أن تراكم الطلب لديها زاد بنحو الخُمس، على أساس سنوي، في الربع الأول من عام 2025. ومع ذلك، لا تزال التأخيرات وتجاوز التكاليف أمرًا لا مفر منه، مع تراجع الإنتاجية.
فمنذ عام 2000، انخفض إنتاج العامل الواحد في قطاع البناء 8%، في حين ارتفع بنسبة 54% للقطاع الخاص ككل، حسب الصحيفة.
ولا تقتصر المشكلة على المشاريع التجارية، فشركات بناء المنازل الأميركية تبني نفس عدد المساكن لكل موظف كما فعلت قبل 9 عقود، مما يسهم في نقص واسع النطاق وارتفاع الأسعار، وذلك بسبب التفتت والتجزئة والإفراط في التنظيم ونقص الاستثمار، وفق تعبير الصحيفة.
التفتت
وفي شأن "التفتت"، يشير إحصاء إلى أن حوالي 750 ألف شركة تعمل في قطاع البناء الأميركي، أي ما يقارب 3 أضعاف عدد الشركات العاملة في قطاع التصنيع، الذي يُمثل ضعف حصة قطاع البناء من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفقًا لدراسة أجراها ليوناردو داميكو من جامعة هارفارد وزملاؤه، فإن شركات البناء التي تضم أكثر من 500 موظف تكون إنتاجيتها أعلى بمرتين تقريبًا من تلك التي تضم ما بين 100 و499 موظفًا، وأعلى 4 أضعاف من تلك التي تضم أقل من 20 عاملًا.

لا تكامل
يتميز القطاع كذلك بنقص التكامل الرأسي؛ فشركات عملاقة مثل تيرنر أو بيكتل تتولى مسؤولية المشاريع التجارية الكبرى، لكنها تُسند معظم أعمال البناء إلى شركات محلية أصغر، وبعضها يُسند كذلك أجزاء من العمل إلى شركات من الباطن.
إعلان
وحسب الصحيفة، يتبع قطاع بناء المنازل نموذجًا مشابهًا، يؤدي إلى مراحل من التنسيق والتفاوض والدفع، وكلها عوامل قد تُبطئ المشاريع، كما أن أعمال توزيع منتجات البناء مُجزأة كذلك، مع نقص المخزونات التي تُفاقم التأخير.
اللوائح
نوهت الصحيفة بأن لوائح البناء منذ سبعينيات القرن الماضي لم تُعقّد عمل المشاريع فحسب، بل جعلت من الضروري للشركات تطوير معرفة مُفصّلة بقوانين البناء التي تختلف من ولاية إلى أخرى، بل حتى من مدينة إلى أخرى، وغالبًا ما كان أسهل طريق للشركات الوطنية العملاقة هو الاستعانة بمقاولين محليين للمساعدة في إنجاز المشاريع، وقد يكون هؤلاء المقاولون كذلك في وضع أفضل لتوظيف العمال، وهو تحدٍّ آخر في قطاع يعاني منذ مدة طويلة من نقص العمالة.
وحسب الصحيفة، فإن هذا أسهم في نقص مُتفشٍّ في الاستثمار؛ فجحافل المقاولين ذوي المشاريع الصغيرة، الذين يعملون عادة بهوامش ربح ضئيلة للغاية، يفتقرون إلى الموارد اللازمة للاستثمار في التقنيات الموفرة للعمالة، لا سيما في قطاع يشهد طلبًا متقلبًا.
ووفقًا لجان ميشكي من شركة ماكينزي الاستشارية، فإن الإنفاق الرأسمالي لشركة البناء الأميركية المتوسطة يصل إلى حوالي 3% من الإيرادات، مقارنة بـ13% في القطاعات الأخرى.

الأتمتة
ونتيجة لذلك، كان تبنّي التقنيات الجديدة ضعيفًا، فالاعتماد المتقطع على أدوات البرمجيات لتخطيط الوظائف وإدارتها لا يبشر بالخير لاعتماد الصناعة على الذكاء الاصطناعي، كما تباطأ البناؤون في استخدام الروبوتات التي وجدت طريقها بشكل متزايد في المصانع، كما يفيد تقرير الصحيفة.
وحسب بنك "آي إن جي"، فإن ثمة 6 روبوتات فقط لكل 100 ألف عامل في قطاع البناء الأميركي، مقارنة بنحو 3 آلاف في قطاع التصنيع (وهو ما زال أقل بكثير من إمكاناته).
وبحسب الصحيفة، فإن التباين في مشاريع البناء يعني استحالة أتمتتها بالطريقة التي يمكن تنفيذها في المصانع. ومع ذلك، تستطيع الروبوتات أداء العديد من المهام، مثل وضع الطوب واللحام ونقل المواد، والتي تستغرق جزءًا كبيرًا من وقت عمال البناء.
وعد ترامب
وعد ترامب بإلغاء القواعد الاتحادية التي تُعيق قطاع البناء، وفي أول يوليو/تموز الحالي اقترحت إدارة السلامة والصحة المهنية تخفيف القواعد المتعلقة بأمور مثل كمية الإضاءة المطلوبة في مواقع البناء، وهو أمر من شأنه أن يُساعد. ومع ذلك، يُريد الرئيس أيضا ترحيل العمال الذين دخلوا أميركا بشكل غير قانوني، وهذا سيُفاقم نقص العمالة، كما فرض رسومًا جمركية على مواد مثل الفولاذ، مما سيزيد من كلفة المشاريع.
0 تعليق