القدس المحتلة- تتزايد في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية المخاوف من التهديد الإستراتيجي الذي باتت تشكله صواريخ جماعة أنصار الله وطائراتها المسيّرة القادمة من اليمن.
فبعد أشهر من التصعيد، أصبح واضحا أن الهجمات المستمرة تمثل تحديا معقدا للأمن القومي الإسرائيلي، وتكشف عن فجوات مقلقة في قدرة الردع والدفاع الجوي، رغم الدعم الأميركي الكثيف وعمليات القصف الجوي التي نفذها الإسرائيليون ضد أهداف حوثية.
وبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس"، ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الخيار الأكثر واقعية لوقف هذه الهجمات هو التوصل إلى اتفاق لوقف القتال في قطاع غزة.
قلق إسرائيلي
تعكس هذه القراءة، حسب المحللين العسكريين والسياسيين في إسرائيل، حجم القلق الذي تسببه الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية، خصوصا بعد فشل أنظمة الدفاع في اعتراض عشرات المقذوفات التي سقطت في عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وتسببت الهجمات بالفعل في قتلى وجرحى كما حدث في يوليو/تموز 2024، حين قُتل إسرائيلي في هجوم بطائرة مسيّرة على تل أبيب، وألحقت أضرارا بالبنية التحتية وقطاع الطيران، مثلما حدث في مايو/أيار الماضي، عندما سقط صاروخ باليستي قرب مطار بن غوريون وتسبب في موجة إلغاء واسعة للرحلات الجوية.
أمام هذا التهديد المتنامي، يبحث صناع القرار في تل أبيب سيناريوهات عدة، من بينها استمرار سياسة الاستنزاف العسكري ضد الجماعة اليمنية عبر الغارات الجوية، أو محاولة التوصل إلى تفاهمات سياسية مع إيران، أو حتى تشجيع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على التحرك ضد الجماعة، وهي خيارات تبدو معقدة وغير واضحة الآفاق.
لكن بحسب مصادر إسرائيلية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو التوصل إلى اتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو حتى مع طهران، بشكل مباشر أو غير مباشر، يشمل صراحة أو ضمنا وقف إطلاق النار من اليمن، وفق ما جاء في صحيفة "هآرتس".
إعلان
ويقر مسؤولون أمنيون في تل أبيب بصعوبة الرهان على حل مستدام يقتصر على إنهاء الحرب في غزة، محذرين من أن الحوثيين قد يستأنفون هجماتهم في أي جولة تصعيدية مقبلة، سواء في الضفة الغربية أو غزة أو بسبب توترات في المسجد الأقصى.
وترى تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن أي حل طويل الأمد قد يتطلب تفاهمات أوسع مع إيران في إطار جهود الحوار التي ترعاها واشنطن، لتقليل التوترات الإقليمية واحتواء الجبهات المتعددة التي تهدد الأمن الإسرائيلي في آن واحد.
أعباء كبيرة
يشرح الكاتب مردخاي إيش- شالوم، خريج "كلية الأمن القومي"، في مقال له بالموقع الإلكتروني لـ"زمان يسرائيل"، أن تل أبيب تواجه صعوبة في التعامل مع تهديد صواريخ الجماعة، خلافا للولايات المتحدة التي تستطيع ضرب اليمن ثم الانسحاب معلنة "النصر".
وأوضح أنه رغم الضربات الجوية الإسرائيلية المكلفة جدا، يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ يوميا تقريبا، مما يفرض أعباء اقتصادية ونفسية كبيرة على الجبهة الداخلية، وهو ما يعزز القلق بأنهم يشكلون تهديدا إستراتيجيا على الأمن القومي الإسرائيلي.
ولمواجهة المخاطر الإستراتيجية، يطرح إيش- شالوم خيارين رئيسيين لإسرائيل:
- الأول: الحل السياسي بالتوصل إلى اتفاق يوقف القتال في غزة مقابل وقف الجماعة اليمنية إطلاق الصواريخ. لكنه يعتبر هذا الحل هشا، لأن الجماعة قد تستأنف الهجمات عند أي تصعيد مستقبلي، "خاصة في ظل النفوذ الإيراني".
- الثاني: الحل العسكري "بالقضاء على قيادة الجماعة"، عبر قصف جوي دقيق أو عملية كوماندوز خاصة، وهو ما يتطلب معلومات استخباراتية دقيقة.
وانتقد إيش- شالوم تأخر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في الاستعداد لهذا التهديد من اليمن، مذكرا بأن الحوثيين أثبتوا قدراتهم مبكرا، مثل الهجمات على شركة الطاقة السعودية أرامكو وعلى سفن الشحن في البحر الأحمر.
كما اقترح حلولا لتجاوز المسافة الطويلة إلى اليمن، مثل استخدام قواعد في أفريقيا أو غواصات، و"تمويل قراصنة صوماليين لتنفيذ اغتيالات".
وباعتقاده، فإن إسرائيل بحاجة إلى تفكير إستراتيجي جديد وجريء، بدلا من الاعتماد على ضربات جوية مكلفة وغير حاسمة أو اتفاقات هشة قد تنهار بسهولة.
فشل استخباراتي
القراءة ذاتها استعرضها المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي كتب أن تكرار الهجمات الصاروخية من اليمن أظهرت حدود قدرة الردع الإسرائيلية، رغم محاولات الحكومة تصوير الوضع كنصر وشيك.
ووفقا لهرئيل، فإنه على الرغم مما اعتبره نجاح المنظومة الدفاعية "حيتس" في اعتراض معظم الصواريخ، بيد أن الجيش الإسرائيلي يواجه حرب استنزاف جديدة تدار بشكل غير مباشر من إيران. وأوضح أن جيش الاحتلال يناقش مدى استقلال جماعة أنصار الله عن طهران، خاصة مع توقف الهجمات من لبنان والعراق وتراجع القتال في غزة، لتظل هي التهديد الرئيسي.
وقال إن إطلاق صاروخ واحد كل يومين من اليمن يكفي لإبقاء الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحت الضغط، في حين يتطلب الرد الإسرائيلي عمليات جوية معقدة على بعد 1800 كيلومتر.
وتحت عنوان "وحش تحت الأنف: إسرائيل تجاهلت التهديد الحوثي في الوقت المناسب وأضاعت الفرص للتصدي له"، كتبت ليلاخ شوفال، مراسلة الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، مقالا تناولت فيه الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي المتراكم في التعامل مع الجماعة اليمنية.
إعلان
وأوضحت أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لسنوات طويلة اعتبرت اليمن "ساحة ثانوية"، وانشغلت بتهديدات أخرى كإيران، وحزب الله وحماس، بينما جرى تجاهل التحذيرات بأن الحوثيين قد يوجّهون سلاحهم نحو إسرائيل.
ولفتت إلى أنه رغم توفر معلومات استخباراتية عن قدرتهم على إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لم يخصص لهم اهتمام جدي، بل كانوا يُذكرون في التقييمات بشكل عابر. وشددت على صعوبة ضربهم عسكريا من الجو، بسبب المسافة الطويلة من إسرائيل، وقدرتهم على البقاء في مناطق نائية ومعزولة.
وأشارت شوفال إلى أن البعض يرى أنهم مثل حماس وحزب الله، لا يمكن هزيمتهم إلا من خلال عملية برية، وهو خيار غير مطروح إسرائيليا أصلا.
وتضيف "أما مهاجمة إيران التي تمول وتسلح الجماعة اليمنية، فلن تكون بالضرورة حلا حاسما، لأن الجماعة تحتفظ بهامش كبير من الاستقلالية".
وختمت بالقول إن هذا التهديد، الذي اعتُبر طويلا ثانويا، أصبح الآن جبهة فعالة وخطيرة، تفرض على إسرائيل استنزافا طويل الأمد وتستلزم مراجعة شاملة لإستراتيجيتها الأمنية.
0 تعليق