في الثامن من يوليو/تموز، خلص اجتماع لكبار علماء العالم بالمملكة المتحدة، لمناقشة نقاط التحول المناخي إلى استنتاج مثير للقلق يتمثل في أن العالم يدخل منطقة خطر تُشكّل فيها نقاط التحول المناخي المتعددة مخاطر كارثية على مليارات البشر.
ولاحظت الخلاصة أن البشرية في "سباق حياة" لخفض انبعاثات الكربون، وتوسيع نطاق الحلول وبناء القدرة على الصمود لإدارة الصدمات المناخية المستقبلية.
وحسب العلماء بات من الواضح الآن أن الحد من الاحتباس الحراري العالمي إلى حوالي 1.5 درجة مئوية، وهو أحد أهداف اتفاقية باريس للمناخ، أمر ضروري للحد من خطر تجاوز نقاط تحول متعددة.
ويبدو الكوكب على وشك الوصول إلى معدل 1.5 درجة مئوية على مدى طويل، وينبغي أن تختفي انبعاثات الكربون من اقتصاداتنا بشكل شبه كامل في غضون بضع سنوات فقط للحد بشكل كبير من خطر زعزعة استقرار كوكبنا بشكل خطير.
فكل طن من انبعاثات غازات الدفيئة له أهميته، وسيؤدي الفشل في تغيير الاقتصادات التي ما زالت تعتمد على الوقود الأحفوري إلى عواقب وخيمة على البشر والطبيعة.
ويمكن للعالم أن ينبعث منه 305 مليارات طن فقط من ثاني أكسيد الكربون، مع احتمالية بنسبة 50% فقط للاستقرار عند حوالي 1.5 درجة مئوية، والتي كانت تعتبر مستوى ما قبل الصناعة.
ويستنزف العالم "الميزانية الكربونية"، وهي كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكننا إطلاقها في الغلاف الجوي مع تجنب الوصول إلى عتبة حرارية معينة، بنسبة 1% شهريا.
وقد خلص تحقيق حديث أجرته منظمة "كليمات كولين" (مدقق المناخ) السويدية إلى أنه بدءا من عام 2025، يجب على العالم خفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات كقاعدة عامة، وهي وتيرة تعادل انخفاضا بنسبة 12% تقريبا سنويا.
واستندت حسابات التحقيق إلى ورقة ميزانية الكربون لعام 2024 ومبادئ قانون الكربون، التي طُرحت لأول مرة عام 2017، كمسار علمي لتحقيق اتفاقية باريس للمناخ والحد من الاحتباس الحراري إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، بهدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية.
إعلان
ولا تزال الانبعاثات في ازدياد، ولم يتسع نطاق الاستثمار في تخزين الكربون في التربة والنباتات وفي أعماق الأرض بالقدر المأمول.
وحسب التحقيق، يجب أن تنخفض الانبعاثات بسرعة وعمق وبشكل دائم ابتداء من عام 2025، ورغم أن تحقيق انخفاض بنسبة 12% في الانبعاثات سنويا يعد أمرا صعبا، فإنه يُظهر الوتيرة والأولوية التي يجب أن نُوليها لإزالة الكربون للنضال من أجل 1.5 درجة مئوية.
وفي وقت يجادل البعض بأن العالم يجب أن يسير بخطى أسرع نظرا للمخاطر المحدقة بالكوكب، سيؤدي التوقف التام عن استخدام الوقود الأحفوري في غضون بضع سنوات بلا شك إلى انهيار اقتصادي، وهو ما سيفرز نتائج عكسية، إذ يؤدي إلى اضطرابات سياسية تُنذر بصراعات تقوض كل التقدم الحاصل.
ولذلك يعد إيجاد مسار واقعي في ظل هذه المخاطر تحديا كبيرا، ويبقى اتباع مسار لخفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات محاولة معقولة للتغلب على هذا العالم الجديد المحفوف بالمخاطر.

هل يمكن تحقيق هذا المسار؟
هناك أدلة كافية على إمكانية خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 50% باستخدام التقنيات الحالية، ففي عام 2023، خفض الاتحاد الأوروبي انبعاثاته بنسبة 8.5%، وهذا يشير إلى إمكانية تحقيق تخفيضات واسعة النطاق في العديد من البلدان في وقت واحد.
وقد تحقق ذلك بشكل رئيسي من خلال تخفيضات في قطاع الطاقة، ولتحقيق تخفيضات بنسبة 12% سنويا، يلزم بذل المزيد من الجهود لخفض الانبعاثات في قطاعات الإنشاء (البناء) والنقل والأغذية والصناعة، ذات الانبعاثات العالية.
وتشير الدراسات إلى أن ما يحتاجه العالم بشدة هو قيادة سياسية وشراكات وتعاون لتسريع وتيرة العمل، في ظل مؤشرات مقلقة على التراجع وغياب المساءلة على كلا الجبهتين.
وقد أثارت الانتخابات الأميركية وتراجع الرئيس ترامب عن السياسات المناخية والبيئية تأثيرا متسلسلا في جميع أنحاء العالم، وعززت عودة الوقود الأحفوري، في الوقت الذي يُكافح فيه الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الواقع الجيوسياسي الجديد والحرب في أوكرانيا، وهذا يضع الاستدامة البيئية في مرتبة ثانوية.
كما تستغل بعض الشركات هذا السياق السياسي الجديد كغطاء للتخلي عن التزاماتها المناخية، وقد أظهرت دراسة حديثة لأهداف المناخ لعام 2030 شملت 1041 شركة، ونُشرت في المجلة الأكاديمية "نيتشر"، أن ما يقرب من 40% من الشركات أخطأت أو تخلت عن أهدافها من دون أي عواقب.
وقد صوّت تحالف البنوك المدعوم من الأمم المتحدة، "تحالف صافي الانبعاثات الصفري"، مؤخرا على إلغاء شرط مواءمة التمويل مع 1.5 درجة مئوية.
ومع ذلك يحظى العمل المناخي بدعم واسع النطاق. ففي استطلاع رأي شمل 130 ألف شخص من 125 دولة، ونُشر في فبراير/شباط من العام الماضي، أعربت نسبة هائلة بلغت 89% عن اعتقادها بأن على حكومات بلدانها "بذل المزيد من الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري".
ونظرا لمخاطر نقاط التحول، تقع على البشرية مسؤولية أخلاقية للحد من الانبعاثات بأسرع وقت ممكن، ولم يتبقَّ سوى مستقبل جذري، فإما أن نُغيِّر مجتمعاتنا واقتصاداتنا بالكامل، أو أن يُسلِّم إرث جيلنا عالما مضطربا إلى الأجيال المقبلة.
إعلان
ويعني النضال من أجل 1.5 درجة مئوية الآن خفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات، أي بنسبة 12% سنويا. ويجب على الدول والمجتمعات السرعة اللازمة التي يتطلبها العلم، من أجل مستقبل أفضل للكوكب وللأجيال المقبلة.
0 تعليق