الثلاثاء 08/يوليو/2025 - 04:33 م
أضف للمفضلة
شارك شارك
"حي على الصلاة.. حي على الفلاح"، بسماعه تلك النداءات شرع المهندس أحمد رجب بيومي لأداء صلاته ملبيًا نداء ربه داخل مكتبه بسنترال رمسيس وسط القاهرة، إلا أنه لم يكن يدري أنه النداء الأخير قبل أن يلقى مصرعه رفقة 3 آخرين إثر حريق شب في مبنى السنترال الرئيسي مساء الاثنين، وهو الحريق الذي تسبب في توقف جزئي لشبكات الهواتف المحمولة والإنترنت والخدمات المصرفية وغيرها من خدمات الطوارئ.

حريق سنترال رمسيس
البداية كانت بالغرفة المخصصة لموظفي إدارة وتشغيل ودعم الأنظمة التكنولوجية (IT) في الطابق السابع، إذ اندلع الحريق داخل المكتب الخاص بموظفي IT وامتد لباقي الطوابق، كما أن النيران استمرت في الارتفاع حتى وصلت للمبنى الملحق المكون من 6 طوابق، قبل أن يمتد الحريق إلى كابلات الفايبر الخاصة بالاتصالات الدولية ما أدى إلى تعطل شبكات المحمول والخدمات المصرفية والدفع الإلكتروني وخدمة 122 وخدمة التليفونات الأرضية والإنترنت، وذلك حسب مصدر في تصريحات لـ القاهرة 24.
وتكمن أهمية سنترال رمسيس الذي وصفه الكثيرون عقب الحريق بأنه قلب مصر التكنولوجي؛ في أنه يعالج 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية في مصر عبر خطوط أرضية وألياف ضوئية، ما جعله أهم مراكز الاتصالات والإنترنت في مصر.
كما يحتوي السنترال الذي يعود تاريخ انشاءه على يد الملك فاروق الأول عام 1927 (حسب مركز المعلومات بمجلس الوزراء) على أكبر غرف الربط البينى interconnection room، ويتم استخدامه من قبل كبرى شركات الاتصالات مثل فودافون وأورانج في توجيه المكالمات وربط الإنترنت محليا ودوليا، إذ يحتوي أيضًا على core switches رئيسية لمعالجة تحويل المكالمات وربط الشبكات العالمية.

تعطل خدمات الإسعاف والبنوك
وهو ما تسبب في تعطل جزئي وكلي في الخدمات المصرفية الإلكترونية بكبرى البنوك المصرية والتي من أبرزها بنكي مصر والأهلي المصري، وتعطل خدمات تطبيقات التحويلات والمدفوعات البنكية انستباي والعديد من ماكينات الصراف الآلي (ATM)، وكذلك تعطيل التداول في البورصة المصرية، وتعطل جزئي في مكاتب البريد، وخدمات الطوارئ للإسعاف 123، وبعض مراكز الصحة في عدد من محافظات مصر، وإجراء تأخيرات محدودة في عدد من الرحلات الجوية، بحسب بيانات رسمية ومصادر لـ القاهرة 24.
تحذيرات البنك الدولي 2020
يجدر الإشارة إلى تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان "الاقتصاد الرقمي في مصر تقييم دولة" في ديسمبر 2020، قال فيه أن الاعتماد الكبير على البنية التحتية الثابتة الوحيدة للشركة المصرية للاتصالات (المالكة والمشغلة لسنترال رمسيس) يمثل نقطة ضعف نموذجية لسوق الاتصالات بأكمله في مصر، وأنه في حال تعطل شبكة الشركة المصرية للاتصالات فقد يؤثر الوضع بشكل كبير على قدرة مزودي خدمات الإنترنت ومشغلي شبكات الهاتف المحمول الآخرين على الحفاظ على عملياتهم.
وأضاف التقرير، أنه يعد تقليل الاعتماد على شبكة الشركة المصرية للاتصالات وتمكين المشغلين البدلاء من الوصول إلى مسارات ألياف ضوئية أخرى ونشرها واستخدامها (لبناء هياكلهم الأساسية على بنية وخدمات احتياطية) أمرًا مثاليًا لزيادة مرونة شبكات وخدمات الاتصالات في مصر، وأنه يمكن للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات النظر في إجراء دراسة سوقية لتحديد أي اختناقات محتملة في قطاع الاتصالات بالجملة ومعالجتها.
وعن ارتباط كافة الشركات بسنترال رمسيس وتحديدًا شركة المصرية للاتصالات المالكة له، فقد أوضح التقرير أن الشركات المشغلة لخطوط الهواتف المحمولة لا تستطيع محاكاة البنية التحتية لشركة المصرية للاتصالات لنشر الألياف الضوئية بنفسها، بل تقوم في المقام الأول بإعادة بيع سعة المصرية للاتصالات لمقدمي خدمات الإنترنت التابعين لها.
بدائل سنترال رمسيس
أما وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور عمرو طلعت، فأكد بأنه خلال 24 ساعة ستكون عادت كافة خدمات الاتصالات بشكل تدريجي، حيث تم نقل كافة الخدمات إلى أكثر من سنترال ليعملوا كشبكة بديلة، نافيًا أن تكون مصر معتمدة على سنترال رمسيس فقط كمركز رئيسي لخدمات الاتصالات، إذ سيخرج السنترال المحترق لعدة أيام من الخدمة.
الوزير أضاف أيضًا حسب بيان لوزارة الاتصالات في ساعات مبكرة من اليوم الثلاثاء أن معظم الخدمات الحيوية تعمل بشكل طبيعي في أغلب المحافظات مثل النجدة والمطافئ والاسعاف ومنظومة تقديم الخبز والمطارات والموانئ والمرافق الحيوية، وبعض الخدمات في عدد من المحافظات المحدودة ظهرت بها أعطال يتم التعامل معها لاستعادتها خلال صباح اليوم.

كيف نشب حريق سنترال رمسيس؟
كما أوضح المهندس محمد نصر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات، أن الحريق اندلع داخل إحدى صالات الطابق المخصص لاستضافة مشغلي الاتصالات، والذى يضم صالات منفصلة لكل مشغل، وامتد الحريق إلى الأدوار الأخرى نتيجة لشدته، مؤكدًا حسب البيان ذاته الصادر من وزارة الاتصالات، أن جميع صالات الأجهزة الخاصة بالشركة المصرية للاتصالات مؤمنة بإجراءات أمنية وأنظمة إطفاء ذاتية؛ مشيرا إلى أن قوة واشتداد الحريق حالت دون تمكن أجهزة الإطفاء من اخماد الحريق.
وهو ما استدعى تدخل قوات كبيرة من قبل فرق الحماية المدنية التابعة لوزارة الداخلية، والتي واصلت مساعي الإطفاء لأكثر من عشر ساعات، فيما تواصل عمليات التبريد لإنهاء مصادر النيران داخل السنترال بشكل كلي، منعًا لإعادة نشوب الحريق مجددًا.
في ذات السياق، أشارت منظمة مراقبة الانترنت الدولية (منظمة غير حكومية) في تحديث لها إلى ان بيانات الشبكة تظهر أن الاتصال والانترنت في مصر بلغ 44% من المستويات العادية، مع استمرار تأثر الخدمات بما في ذلك الخدمات المصرفية والمدفوعات عبر الهاتف المحمول والتجارة عبر الإنترنت جراء الحريق.

ما دفع الشركة المصرية للاتصالات، لإمكانية التخطيط لـ تخصيص مبنى جديد لـ معالجة من حركة الاتصالات المحلية والدولية في مصر، ولمعالجة تحويل المكالمات وربط الشبكات العالمية، بعد التمكن من استعادة الخدمات بشكل كامل والاتفاق على موقع مؤمن للمبنى الجديد، وذلك حسب مصدر مسؤول لـ القاهرة 24، رجح أيضًا أن يكون المبنى الجديد المخطط تنفيذه كبديل لـ سنترال رمسيس في العاصمة الإدارية الجديدة أو القرية الذكية، ويشمل أكبر غرف الربط البيني، للتمكن من توجيه المكالمات وربط الإنترنت محليا ودوليا.
أما فيما يخص المتضررين، فقد أوضح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في بيان له، أنه سيقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استعادة الخدمة وتعويض كافة العملاء المتأثرين من تعطل الخدمة، وتقوم كافة الأجهزة المعنية بمتابعة الموقف لضمان حل المشكلة وتلافي تأثيراتها.

وعن الإصابات والخسائر البشرية، فقد أعلنت وزارة الصحة أن الحريق تسبب في إصابة أكثر من 20 شخص، ووفاة 4 آخرين متأثرين بجراحهم، من بينهم المهندس أحمد رجب بيومي، والذي توفى إثر محاصرة النيران له فور اندلاع الحريق وذلك أثناء تواجده داخل مكتبه بمبنى السنترال لأداء الصلاة، حسب منشور على موقع التواصل الاجتماعي لأحد أصدقائه، ومن بين الوفيات أيضًا، المهندس محمد طلعت، والمهندس أحمد الدرس، وأحد العاملين بالسنترال.
وانتقل المحامي العام لنيابة شمال القاهرة الكلية، يرافقه فريق من أعضاء النيابة العامة، لإجراء المعاينة لموقع الحادث من الخارج، حيث تبين من المعاينة الأولية نشوب الحريق بالمبنى الرئيسي للسنترال، والمكون من أحد عشر طابقًا، وبالمبنى الملحق به المخصَّص للاتصالات الدولية، والمكون من 6 طوابق.

كما انتقل فريق آخر من أعضاء النيابة العامة إلى المستشفيات المحيطة بمكان الحادث، لسماع أقوال من أمكن سؤالهم من المصابين، والبالغ عددهم حتى الآن واحدًا وعشرين مصابًا، وناظرت النيابة العامة جثامين أربعة متوفين، وندبت مصلحة الطب الشرعي لتوقيع الكشف الظاهري عليهم، لبيان أسباب الوفاة وكيفية حدوثها، وسحب عينات الحمض النووي منهم.
كما يجري استكمال التحقيقات وصولًا إلى أسباب اندلاع الحريق، والوقوف على مدى توافر إجراءات السلامة والصحة المهنية، ومدى مراعاة اشتراطات الحماية المدنية والحريق، وستُعاود النيابة العامة معاينة موقع الحريق من الداخل فور انتهاء قوات الحماية المدنية من أعمال الإطفاء والتبريد، وذلك حسب بيان صادر من النيابة العامة.
0 تعليق