كيف يعيد الغرب استعمار أفريقيا عبر أجندة المناخ؟ - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

خلال السنوات الأخيرة، تصاعد الاهتمام بالقضايا المناخية وتحولت إلى جزء رئيسي من أجندة السياسات العالمية، وبرز في هذا السياق ما يُسمى بـ"الإمبريالية المناخية" أو محاولة قوى الشمال النافذة فرض هيمنتها من خلال استخدام القضايا المتعلقة بالتغير المناخي ومكافحته.

وتعد القارة الأفريقية أحد أبرز الساحات التي تحولت فيها ملفات مواجهة تداعيات الاحترار العالمي إلى "حصان طروادة"؛ تتم عبره إعادة بناء الهيمنة الاستعمارية بثوب أخضر هذه المرة، بما يؤدي في النهاية إلى زيادة الضرر الواقع على دول ومجتمعات القارة التي تعاني من التبعات المدمرة للانبعاثات التي تقود قاطرتها القوى الصناعية.

وبينما تشير الأرقام إلى أن مساهمة أفريقيا في الانبعاثات التراكمية العالمية لا تتجاوز 4% في حين تخطت مساهمة الدول المتقدمة 80% في الفترة الممتدة، فإن هذا الواقع الذي لم تشارك القارة السمراء في صناعته لا يجعل منها البقعة الأكثر تعرضًا للآثار المفزعة للتغير المناخي فقط، بل يضعها أيضًا في مأزق الحاجة إلى دول الشمال الغنية متيحا لهذه الدول الفرصة لرسم السياسات البيئية العالمية وفق ما يخدم مصالحها.

" frameborder="0">

ضحايا التحول الأخضر

شهد العقد الماضي تصاعدا كبيرا في الاهتمام العالمي بالتحول إلى تقنيات الطاقة الخضراء وما تتطلبه من معادن حيوية مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم والمنغنيز، وهو ما انعكس على أفريقيا التي تختزن كميات هائلة من هذه الثروات، بما في ذلك 85% من احتياطي المنغنيز العالمي و80% من البلاتين والكروم، في حين تقدر احتياطيات الكونغو الديمقراطية بنحو 70% من الكوبالت العالمي.

ورغم هذه الوفرة الهائلة في الموارد المعدنية الحيوية للصناعات المستقبلية، فإن الآليات التي يتم التعامل بها مع هذه الكنوز تزيح الغطاء عن تناقض عميق تُبنى من خلاله حلول تغير المناخ للدول المتقدمة على استغلال الموارد والعمالة في الجنوب العالمي، بما يمثل استمرارًا مباشرًا لأنماط الاستعمار التاريخية.

إعلان

هذا النمط الاستغلالي يتجلى في أشكال متعددة، منها ترسيخ وضع دول القارة كمصدر فقط للمواد الخام من خلال ضخ الاستثمارات في قطاعات التعدين من دون تطوير بنى صناعية قادرة إطلاق العنان للاستفادة القصوى من هذه الأصول، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا تتلقى في المتوسط ​​سوى 40% من الإيرادات المحتملة من مواردها الطبيعية.

ويكشف مقال مطول في مجلة "بروجكت سنديكيت" عن وجه آخر للفرص الاقتصادية الهائلة الضائعة نتيجة استمرار تصدير السلع غير المُعالجة، فبينما يُباع البوكسيت (خام الألمنيوم) بنحو 92 دولارًا للطن، فإن الألمنيوم يباع بنحو 2438 للطن، وفق أسعار عام 2023.

وتمتد التأثيرات السلبية لتحويل أفريقيا إلى مصدر للمواد الخام لتشمل العنصر البشري، إذ تبرز تقارير مؤسسات حقوقية مرموقة كمنظمة العفو الدولية انتهاكات متنوعة ترافق عمليات تعدين الكوبالت في الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك الاستخدام الواسع النطاق لعمالة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 عامًا في ظروف خطيرة تحت الأرض، وفي نوبات عمل شاقة تصل إلى 24 ساعة.

ومن جهة أخرى، فإن التحول المتسارع الوتيرة نحو الطاقة النظيفة وسعي القوى الكبرى للسيطرة على سلاسل توريد المواد الحيوية الداخلة في تقنياتها أطلق حالة من "التكالب الجديد" على القارة الأفريقية، محوّلا إياها إلى حلبة لصراع جيوسياسي عالمي يزيد من التعقيدات السياسية والأمنية وحالات عدم الاستقرار التي تعاني القارة المنهكة تحت وطأتها أصلًا.

" frameborder="0">

من المستفيد من أسواق الكربون؟

تمثل أسواق الكربون إحدى الآليات المفترضة لمواجهة تبعات التغيرات المناخية الحادة، وقد ولد هذا المفهوم ضمن طيات بروتوكول كيوتو عام 2005، وتم تعزيزه بالمادة 6 من اتفاقية باريس 2015 التي تسمح للدول ذات الانبعاثات العالية بالدخول في اتفاقيات ثنائية مع نظيراتها من ذوات الانبعاثات المنخفضة لشراء أرصدة الانبعاثات الناتجة عن مشاريع الطاقة المتجددة أو التشجير.

عمليا، يتم تداول الكربون داخل هذه السوق عبر مقايضة تبدأ بوضع الحكومات أو الهيئات التنظيمية المعنية حدًّا أقصى لكمية ثاني أكسيد الكربون (نوع من التلوث) المسموح بانبعاثها، وذلك يمكّن الجهات التي تصدر منها كميات أقل من الحد المسموح به من الحصول على "ائتمانات الكربون" وبيعها إلى الأطراف الأخرى التي يضمن لها شراء هذه "العملة" بقاءها تحت السقوف القانونية.

ووفقاً لبلومبيرغ، فقد وصلت سوق تعويض الكربون عام 2023 إلى ملياري دولار مع توقعات ببلوغها ما قيمته 1.1 تريليون دولار بحلول 2050. ورغم الفوائد التي تبشر بها هذه التجارة من قبيل دفع الاستثمارات في التقنيات الخضراء ومشاريع الحفاظ على البيئة، وخلق حوافز اقتصادية لخفض الانبعاثات، فإن هذه ليست كل الصورة.

ويوضح تقرير مطول صادر عن "التقدمية العالمية" أن مشاريع تعويض الكربون أسفرت عن شبكة معقدة من المظالم واختلالات توازن القوى والصراعات حول حقوق الأراضي، كما انطوت تلك المشاريع على ضم مساحات شاسعة من الأراضي، مدمرة حياة مجتمعات محلية ونظمًا بيئية.

إعلان

وعلى سبيل المثال، طردت الحكومة الكينية مجتمع الأوجيك من غابة ماو، بزعم أن ذلك تم باسم العمل المناخي وحماية الغابات، مما اضطر المجتمعات المتضررة إلى اللجوء للقضاء.

ويتناول تقرير صادر عن "أوكلاند إنستتيوت" منصةَ تأثير الغابات الأفريقية (AFIP) المدعومة من مؤسسات تمويل تنمية أوروبية، وشركات نفط يابانية، وشركة استثمار أسترالية، والتي تروج "لحلول قائمة على الطبيعة"، إلا أن نمطًا مقلقًا من الاستغلال والتضليل البيئي يبرز في استثماراتها، حيث كان أول استيلاء لها على شركة "غرين ريسورسس" المعروفة بتاريخها في الاستيلاء على الأراضي وانتهاكات حقوق الإنسان والتدمير البيئي في أوغندا وموزمبيق وتنزانيا.

" frameborder="0">

هيمنة على الأجندات المناخية العالمية

رغم مساهمة دول الشمال العالمي بالقسط الأكبر تاريخيا من تلوث البيئة، فإنها كذلك تسيطر على رسم خرائط مكافحة هذه الظاهرة المدمرة، في مفارقة لافتة تمكنها من فرض أولوياتها على الأطراف الأقل مساهمة في الانبعاثات الضارة والأكثر تضررًا منها في الوقت نفسه كالقارة الأفريقية.

وفي هذا السياق، يتم التركيز على سبل خفض الانبعاثات الضارة التي تقع ضمن دائرة اهتمامات الدول الصناعية، في حين تتراجع إلى الخلف النقاشات المرتبطة بآليات التكيف الذي تحتاج إليه أفريقيا في مواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ كالجفاف والفيضانات والتداعيات على الأمن الغذائي.

وعلى سبيل المثال، ففي مؤتمر المناخ "كوب26" (COP26) الذي انعقد في العاصمة الأسكتلندية غلاسكو عام 2021 تم توجيه 70% من التمويل المناخي نحو تخفيف الانبعاثات، في حين بلغ ما خصص للتكيف 30% رغم ضرورته الملحة للقارة السمراء.

هذه الهيمنة على أجندة البيئة العالمية تنكشف أيضا في "قمة المناخ الأفريقية 2023" التي عقدت في العاصمة الكينية نيروبي، حيث طغى التركيز على التوسع في أسواق الكربون من خلال تعهدات بمئات ملايين الدولارات، مع غض النظر عن آثار هذه الإستراتيجية في تدمير حياة مجتمعات محلية ونظم بيئية فريدة مع فشلها في كبح الانبعاثات كما يؤكد ذلك العديد من المتخصصين.

وجه آخر لهذه الهيمنة تجسده العرقلة المستمرة للاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن التلوث وما يترتب عليها من تبعات، وتوضح ورقة بحثية صادرة عن "لوس آند دامج كولابريشن" الجهود المتضافرة طوال 3 عقود من جانب الدول المتقدمة الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعرقلة إقرار صندوق لدعم الدول المتضررة من التغيرات المناخية ومعالجة "الخسائر والأضرار" الواقعة عليها نتيجة الظواهر المناخية المتطرفة.

President of Kenya William Ruto (C) surrounded by other African leaders delivers his closing speech during the closure of the Africa Climate Summit 2023 at the Kenyatta International Convention Centre (KICC) in Nairobi on September 6, 2023. (Photo by Luis Tato / AFP)
الرئيس الكيني وليام روتو (وسط) محاطًا بقادة أفارقة يلقي خطابه الختامي خلال اختتام قمة المناخ الأفريقية 2023 (الفرنسية)

إنهم يصنعون تصوراتنا عن المشكلة والحل

تشير العديد من الدراسات إلى ما تسميه "بالهيمنة المعرفية" كأداة من أدوات "الاستعمار الأخضر"، والمقصود بها سيطرة مجموعة من التصورات والمفاهيم الصادرة عن المنظومة الغربية على مجال المعرفة المرتبطة بالبيئة، وإهمال وتهميش أشكال المعرفة والخبرة التي تتمتع بها المجتمعات المحلية في أفريقيا، بما يعزز في المحصلة هيمنة دول الشمال على السياسات البيئية.

وفي هذا السياق، يوضح مقال نشره الزميل في كلية لندن للاقتصاد أيوب غبريماريام أن الدراسات المتعلقة بالمناخ التي تركز على أفريقيا تتلقى تمويلًا بحثيا محدودًا، إذ لم يخصص بين عامي 1990 و2020 سوى 3.8% من التمويل العالمي للبحوث المتعلقة بالمناخ للموضوعات التي تركز على أفريقيا رغم تعرضها بشكل غير متناسب للآثار الجسيمة لتغير المناخ.

ومن جهة أخرى، تُهيمن مراكز الأبحاث في أوروبا وأميركا الشمالية بشكل كبير على الأبحاث المتعلقة بالمناخ التي تُركز على أفريقيا.

إعلان

وقد أبرز تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر عام 2022 أن 78% من التمويل يُخصص لمؤسسات الأبحاث الشمالية، وهو ما ينعكس مباشرة في تراجع مشاركة الباحثين الأفارقة كمؤلفين لأبحاث "ذات صلة" بالمناخ، حيث يؤكد التقرير المذكور عدم وجود "مؤلف محلي" واحد عند تحليل أكثر من 15 ألف منشور يتناول قضايا المناخ التي تغطي 75% من الدول الأفريقية.

ويخلص غبريماريام إلى أن هذا "الاستبعاد" من إنتاج المعرفة لا يؤدي إلى تشويه سمعة أطر المعرفة غير الأوروبية المركزية وتهميشها فقط، لكنه أيضًا يحدّ من القدرة على ترجمة الدراسات العلمية إلى رؤى عملية وواقعية بشأن القضايا ذات الأولوية لأفريقيا، إذ من المرجح أن تُعطي مراكز الأبحاث الشمالية الأولوية لمصالح دوائرها وعملائها بما يخلق "أولويات مضللة" تقلل بشكل كبير من قدرة الأفارقة على التكيف مع التأثير المتزايد بشدة لتغير المناخ.

Headset, back or man with screen for maps for news, research or ecology in data center. Pattern, check or computer for tracking technology for meteorology info, storm radar or climate change forecast
غبريماريام: الدراسات المتعلقة بالمناخ التي تركز على أفريقيا تتلقى تمويلا بحثيا محدودا (شترستوك)

في الطريق إلى العدالة المناخية

كيفية الاستجابة للاستعمار الأخضر المتعدد الأوجه تحولت إلى جزء رئيسي من أجندة النقاشات السياسية والبيئية الأفريقية، وتعددت أشكالها سواء على المستوى القاري أو الدولي أو على صعيد منظمات المجتمع المدني والشباب.

وقد صرح الاتحاد الأفريقي بأن دول القارة لا تتحمل مسؤولية كبيرة عن ظاهرة التغير المناخي نتيجة لضعف كمية الانبعاثات الصادرة عنها تاريخيا، كما يدعو القادة الأفارقة باستمرار لتوفير الدعم التقني والمالي الكافي من المجتمع الدولي لمواجهة التداعيات الكارثية لهذه الظاهرة.

وفي هذا السياق، تعمل الدول الأفريقية بنشاط على تطوير وتنفيذ إستراتيجيات التكيف الوطنية، وتتضمن هذه الخطط نُهجا متكاملة لإدارة المناطق الساحلية والموارد المائية والزراعة، لا سيما في المناطق المتضررة بشدة من الجفاف والتصحر.

في حين تدعو منظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية في القارة إلى "العدالة المناخية"، بما يشمل تفكيك البنى الاقتصادية المعتمدة على تحويل أفريقيا إلى مصدر للمواد الخام التي أدت إلى حرمانها من الاستفادة الكاملة من القيم المضافة لثرواتها المعدنية، مع المطالبة بتشكيل هياكل جديدة تشكل فيها المجتمعات المحلية والعمال والفئات المهمشة جزءا رئيسيا من صناع القرار بدلا من انفراد الشركات الحكومات الأجنبية والشركات بذلك.

بجانب ما سبق، يتزايد النقد لنماذج التنمية المفروضة من الخارج التي تضع مصالح الشركات الأجنبية فوق حيوات ومصائر المجتمعات المحلية كالمشاريع الضخمة لبناء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي توصف بأنها مستقبل الطاقة النظيفة في القارة وغض النظر عن الأضرار المترتبة عليها كنزوح السكان الأصليين، وتدمير النظم البيئية المحلية، وعدم ضمان تكافؤ فرص الحصول على الطاقة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها.

كذلك تُطرح مبادرات لنماذج تنموية بديلة من قبيل شبكات الزراعة المستدامة والمشاريع المجتمعية للطاقة المتجددة، مع الدعوة المستمرة إلى تحمل الدول الصناعية لمسؤوليتها التاريخية عن تلوث البيئة ودفع تعويضات عادلة للدول المتضررة من خلال اعتماد مبدأ "التعويضات المناخية" كجزء رئيسي من الأجندة البيئية العالمية، والإقلاع عن السياسات القائمة على القروض أو التمويل المشروط سواء من الحكومات أو مؤسسات التمويل الدولية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق