أبدى مستثمرون قلقهم حيال تصاعد بيئة انعدام اليقين عالميا، إثر صدمة النرويج بخفض معدلات الفائدة الرئيسية التي سلطت الضوء على تداعيات الرسوم الأمريكية، وتوترات الشرق الأوسط، وتقلبات الدولار وتأثيراتها على السياسة النقدية العالمية والتضخم اللذين أصبحا من الصعب توقعهما، وجعلت مستقبل أداء الاقتصاد العالمي مشوبا بالغيوم.
وقال مستثمرون، إن التقلبات من المتوقع ازدياد وتيرتها بسبب تذبذب الدولار وأسعار النفط الخام على وقع العوامل الجيوسياسية، بما يعني أن البنوك المركزية عجزت إلى حد كبير عن أن تقدم للأسواق والمستثمرين خارطة طريق للمستقبل.
الغموض يكتنف توقعات الاقتصاد العالمي
وفقد الكرون النرويجي ما يقرب من 1 في المئة من قيمته، مقابل الدولار واليورو في انعكاس على مدى تأثر العملة النرويجية بالخفض المباغت للفائدة، بينما في سويسرا، التي خفضت تكاليف الإقراض إلى المستوى الصفري 0% يوم الخميس، فمني متداولون بحالة ارتباك خشية العودة إلى مستويات الفائدة السلبية في الدولة التي تعاني انكماشا، وحذر فيها البنك المركزي من حالة الغموض التي تكتنف توقعات الاقتصاد العالمي.
وترى منصة "جلوبال بانكينج أند فاينانس ريفيو" أن تلك التطورات جاءت مباشرة بعد قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بالإبقاء على معدلات الفائدة الرئيسية بدون تغيير، وتصريح رئيسه بأن "لا أحد" لديه اعتقاد بمعرفة مسار أسعار الفائدة في المستقبل.
وتنتقل المنصة إلى الأسهم العالمية التي انزلقت من الذروات الأخيرة التي بلغتها، لتقفز بمؤشر التقلبات المتوقعة بين الأسهم الأوروبية ليلامس أعلى مستوياته منذ شهرين، في ظل انخفاض هيمن على الأسهم في أرجاء المنطقة، في وقت منيت فيه السندات الحكومية، التي عادة ما تكون ملاذا للمستثمرين من المخاطر الجيوسياسية، بعمليات بيع مكثفة.
ويعلق مدير الاستثمار في مؤسسة "آر بي سي بلوباي" لإدارة الأصول العالمية، مارك داودينج، على الأوضاع قائلًا "لا نستطيع رؤية توجه واضح بشأن معدلات الفائدة"، وأضاف أن ذلك يعني أنه سيقلص من مراهنات السوق النشطة على مستوى جميع المحافظ الاستثمارية للمجموعة.
ويقول مدير الأنشطة الأوروبية والاقتصاد العالمي في مجموعة "تي إس لومبارد"، ديفيد أونيجليا، "لا تستطيع أن تحصل على إشاراتك من البنوك المركزية ما دامت هي نفسها تواجه مصاعب في مهمتها لاستقراء الأوضاع الاقتصادية".
وتتحدث المنصة عن مرحلة تحطم النماذج التقليدية المتعارف عليها، إذ أن خفض البنوك المركزية الأوروبية لأسعار الفائدة لا يمثل فحسب ابتعادا عن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، الذي يعاني مع المخاطر التضخمية التي ولدتها الرسوم الجمركية لدونالد ترامب، ولكنها تمثل أيضا صراعا من أجل زيادة قدرتها على التأقلم والحركة في ظل عصر جديد بات فيه الدولار الأمريكي - عصب التجارة العالمية وعملة تسعير السلع وتقييم الأصول - أكثر ضعفا وتقلبا وسط حرب تجارية مضطربة وقلق حكومي من تصاعد الديون.
ووصف رئيس بحوث الاقتصادات الكلية في "مونيكس أوروبا"، نيك ريس، ما يحدث حاليا بأنه "تحول جوهري هائل في الأسواق العالمية يحاول كل إنسان تقييمه، كما أن جميع القواعد الاقتصادية القياسية، التي اعتدنا استخدامها للتنبؤ، تحطمت تماما في الوقت الراهن"..فالدولار أقل في الغالب بنسبة 9 في المئة، مقابل معظم العملات الرئيسية الأخرى خلال هذا العام، لكنه ارتفع في أعقاب اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران.
وصرح صانع القرار في "البنك الأوروبي المركزي"، فرانسوا فيلاري دي جالو، بأن البنك يتعين عليه تكييف خططه لخفض معدلات الفائدة الرئيسية، إذا استمر التقلب في سعر النفط لأوقات أطول.
ويقول محللون إن سياسة الأمر الواقع الجديدة التي تعيشها الأسواق حاليا يمكن أن تشكل عصرا لمفاجآت البنك المركزي الذي يخلق تحولات سريعة في سردية السوق، وتسعير الأصول، وتوقعات التقلبات ومستويات الهشاشة.
ويعاود المدير في مجموعة "تي إس لومبارد"، ديفيد أونيجليا، توصيف أوضاع السوق حاليا بقوله "إننا ندخل دورة تالية تكون فيها المتغيرات أكثر تقلبا، ويعود السبب في ذلك إلى أنه بدلا من كون (السياسة النقدية) مسألة يسهل التبنؤ بها، فقد أصبحت الأحداث والسياسة والعناصر البشرية - كما نعلم مع دونالد ترامب الآن- تسيطر بصورة كبيرة وتلعب دورًا مهمًا".
ويرى رئيس استراتيجيات النقد الأجنبي في "سوسيتيه جنرال"، كيت جوكيس، أن مفاجأة النرويج بخفض الفائدة جاءت بسبب أن الكراون كان "عملة رئيسية هاربة"، أي أنها تفقد قيمتها بسرعة، في عصر الحرب التجارية.
وبينما يسعى المستثمرون في أنحاء العالم لتعقب مخازن للقيمة ليس من بينها الدولارات الأمريكية، قفز سعر الفرنك السويسري؛ ما أدى إلى خفض تكاليف الواردات ودفع الاقتصاد إلى حالة انكماش.
وقد ارتفع الفرنك أمام الدولار الأمريكي بنهاية تعاملات الأسبوع المنقضي نظرا لأن المتداولين اعتبروا أن مستوى خفض البنك المركزي السويسري للفائدة ضئيلًا جدًا إلى حد يعجز فيه عن السيطرة على الانكماش.
0 تعليق