أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن قرار البرلمان الأوروبى باعتماد الشريحة الثانية من الدعم المالى لمصر، بقيمة ٤ مليارات يورو، فى إطار اتفاق الشراكة الموقّع بين الجانبين فى مارس ٢٠٢٤ يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادى والمالى فى البلاد، مشيرين إلى أن هذه الشريحة تأتى فى توقيت حساس، وتعكس الثقة الدولية المتزايدة فى قدرة مصر على إدارة أزماتها الاقتصادية والسياسية بنجاح.
وأوضح الخبراء، لـ«الدستور»، أن تلك الشريحة ستسهم بشكل مباشر فى دعم الاحتياطى النقدى وتحقيق التوازن فى ميزان المدفوعات، ما يعزز من استقرار سعر صرف الجنيه، ويخفف من الضغوط التضخمية على المواطن، منوهين بأهمية استثمار هذه الأموال فى مشروعات استراتيجية بعدد من القطاعات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية، ما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار ويعزز النمو الاقتصادى المستدام.
محمد باغة: توقيته بالغ الأهمية ويخفف الضغط على الموازنة العامة
قال الدكتور محمد باغة، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، إن صرف الشريحة الثانية من الدعم المالى المقدم من الاتحاد الأوروبى لمصر بقيمة ٤ مليارات يورو جاء فى توقيت بالغ الأهمية، نظرًا لما تشهده المنطقة من توترات جيوسياسية متصاعدة، قد تُلقى بظلالها على استقرار الاقتصادات الناشئة.
وأوضح «باغة»، فى حديثه لـ«الدستور»، أن الدعم الأوروبى لمصر فى هذا الوقت يُعد بمثابة رسالة ثقة واضحة من الاتحاد الأوروبى فى متانة الاقتصاد المصرى، وفى جدية برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذى تنفذه الحكومة منذ عدة سنوات، مؤكدًا أن هذا الدعم لا يقتصر على بُعد مالى فقط، بل يتضمن بعدًا استثماريًا واستراتيجيًا.
وأشار إلى أن تلك الخطوة سيكون لها أثر إيجابى مباشر على خفض الضغط عن الموازنة العامة للدولة، وتقليل الأعباء المرتبطة بالالتزامات الدولية قصيرة ومتوسطة الأجل، ما يعزز استقرار الوضع المالى ويمنح الحكومة مرونة أكبر فى تخصيص الموارد للقطاعات الحيوية.
وأشار «باغة» إلى أن ضخ تلك الأموال فى الاقتصاد سيدعم الحفاظ على التصنيف الائتمانى لمصر، بل قد يسهم فى تحسينه مستقبلًا، فى ظل إشارات إيجابية من مؤسسات التصنيف الدولية حول استقرار المؤشرات المالية والنقدية للبلاد.
وأضاف: «الدعم الأوروبى من المتوقع أن يُترجم إلى زيادة فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة فى القطاعات التى تحظى بأولوية لدى الجانب الأوروبى، مثل الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والبنية التحتية المستدامة»، مشيرًا إلى أن جزءًا من الاستثمارات الأوروبية سيتم توجيهه مباشرة إلى هذه القطاعات داخل السوق المصرية.
وتابع: «هذا القرار يمثل شهادة نجاح جديدة لمصر، ليس فقط فى إطار سياساتها الاقتصادية، وإنما أيضًا لدورها الإقليمى كدولة محورية فى تحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
سهر الدماطى: يزيد الاحتياطى النقدى ويدعم استقرار سعر الصرف
أكدت الخبيرة المصرفية سهر الدماطى أن قرار البرلمان الأوروبى يُعد بمثابة شهادة دولية جديدة تثبت ثقة المؤسسات الدولية فى قوة الاقتصاد المصرى، وفى السياسات النقدية والمالية التى انتهجتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، رغم الضغوط المتزايدة عالميًا.
وأوضحت أن دخول هذه الشريحة الضخمة إلى خزائن البنك المركزى المصرى سيسهم بشكل مباشر فى دعم الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية، الذى يعد إحدى الركائز الأساسية فى استقرار السياسة النقدية وسعر الصرف.
وأشارت إلى أن الدعم الأوروبى سيساعد البنك المركزى فى التحكم فى تقلبات السوق المصرفية، والحد من الضغوط التى تتعرض لها العملة المحلية، ما يؤدى إلى استقرار الجنيه المصرى فى مواجهة العملات الأجنبية.
وأضافت: «توقيت الدعم جاء فى لحظة حرجة، فى ظل استمرار تباطؤ بعض مصادر النقد الأجنبى، مثل قناة السويس والسياحة، نتيجة التوترات الجيوسياسية فى المنطقة»، لافتة إلى أن هذا التمويل يعزز قدرة الدولة على توفير السلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج دون ضغوط تمويلية، ما ينعكس إيجابًا على مستويات الأسعار ويسهم فى كبح جماح التضخم.
وشددت على أن استقرار الجنيه لا يرتبط فقط بتدفقات نقدية قصيرة الأجل، بل بالثقة طويلة الأمد التى تُمنح للاقتصاد الوطنى من قبل الشركاء الدوليين، وهو ما تحقق بالفعل من خلال هذا القرار الأوروبى، الذى يعكس قناعة مؤسسات التمويل بجدية الإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها الحكومة.
ودعت إلى توجيه جزء من ذلك الدعم نحو تمويل مشروعات إنتاجية حقيقية، لا سيما فى القطاعات ذات القدرة على التصدير، مثل الزراعة والصناعة والطاقة، ما يسهم فى توليد موارد دائمة للنقد الأجنبى، ويُقلل الاعتماد على التمويل الخارجى مستقبلًا.
محمد عبدالوهاب: يفتح المجال لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية
أشار الخبير الاقتصادى والمحلل المالى، محمد عبدالوهاب، إلى أن صرف الشريحة الثانية من الدعم الأوروبى لمصر جاء فى توقيت شديد الأهمية، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، معتبرًا أن التوقيت ذاته يحمل دلالات بالغة تؤكد أهمية مصر كشريك استراتيجى للاتحاد الأوروبى.
وأوضح «عبدالوهاب» أن الدعم يمثل شهادة دولية جديدة من الاتحاد الأوروبى على نجاح السياسات والإصلاحات الاقتصادية التى تتبناها الحكومة المصرية، ويعكس اقتناع المؤسسات الأوروبية بقدرة الاقتصاد المصرى على التعافى والنمو، رغم ما يمر به من ضغوط داخلية وخارجية.
وأضاف أن من أبرز الجوانب الإيجابية لهذا التمويل هو أنه يفتح المجال أمام الدولة لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، التى من المتوقع أن تزداد أهميتها خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا مع احتمال ارتفاع معدلات التضخم مجددًا.
أشرف غراب: يدعم صمود الدولة فى وجه الأزمات
اعتبر الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، أن اعتماد البرلمان الأوروبى الشريحة الثانية يجسد اعترافًا حقيقيًا بأهمية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى، لا سيما فى ظل التوترات الجيوسياسية المحيطة، مؤكدًا أن دعم مصر فى هذا التوقيت الحرج هو بمثابة دعم لأمن واستقرار جنوب المتوسط، بل لأوروبا نفسها. وأشار «غراب» إلى أن أحد أبرز أسباب الدعم الأوروبى هو الدور المحورى الذى تقوم به مصر فى منع تدفق الهجرة غير الشرعية، وهو ما جعلها شريكًا لا غنى عنه فى استراتيجية الاتحاد الأوروبى للأمن والهجرة، مؤكدًا أن استضافة مصر لنحو ١٠ ملايين لاجئ يضعها فى موقع المسئولية، ويبرز قدرتها على التعامل مع تداعيات إنسانية واقتصادية ضخمة. وأوضح أن الدعم الأوروبى سيساعد فى تغطية جزء من الفجوة التمويلية الناتجة عن انخفاض عوائد قناة السويس، وتراجع إيرادات السياحة فى ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة، كما سيُستخدم لتعزيز المخزون الاستراتيجى من العملة الصعبة.
0 تعليق