"إن رسائل إبراهيم تراوري تعكس العصر الذي نعيش فيه؛ عصر يتساءل فيه العديد من الأفارقة عن علاقة قارتهم مع الغرب، ولماذا لا يزال الفقر مستشريا إلى هذا الحد في قارة غنية بالموارد".
- بيفرلي أوتشينغ، الباحثة في شركة الاستشارات العالمية "كونترول ريسكس"
لا تكف المنظمات الغربية والدولية عن الحديث عن الانتهاكات التي يرتكبها نظام النقيب إبراهيم تراوري الذي سيطر على الحكم في بوركينا فاسو إثر انقلاب عسكري وسط زخم وشعبية كبيرين في عام 2022، ووعد حينها بتسليم السلطة في أقرب وقت ممكن، لكنه لم يفعل ذلك حتى يومنا هذا.
وتستند الاتهامات لنظام تراوري بحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى أن نظامه أخلف وعده بتسليم السلطة، إذ قام بتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في عام 2024، ثم أعلن البقاء لخمس سنوات أخرى في السلطة بعد محادثات وطنية قاطعتها المعارضة.
بخلاف ذلك، فإن المجلس العسكري في بوركينا فاسو شنَّ بحسب "هيومان رايتس ووتش" حملة قمع طالت الإعلاميين والمعارضين السياسيين، حيث تعرض بعضهم للإخفاء القسري، وحوصرت المساحات المفتوحة للعمل المدني، وكما تشير "ذي إيكونوميست" البريطانية فإن تراوري طهَّر الجيش تماما من خصومه المحتملين، وجعل جهاز الأمن تحت سيطرته، وهو يُلقي بمنتقديه الذين يعتبرهم مدعومين من الغرب في السجن أو يجنّدهم إجباريا في الصفوف الأمامية في جبهات القتال ضد من تسميهم الإيكونوميست بـ "المسلحين الإسلاميين".

في غضون ذلك، تتهم المنظمات الحقوقية الغربية الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو دائما بارتكاب انتهاكات جسيمة وعمليات قتل واسعة ضد المدنيين، وبعضهم أطفال، أثناء حربها ضد المسلحين الإسلاميين، وقد ذكرت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير حديث لها في وقت سابق من شهر مايو/أيار الحالي أن قوات تراوري قد قتلت ما لا يقل عن 130 مدنيا في مجزرة ببلدة سولينزو غرب بوركينا فاسو، استخدمت فيها الطائرات المسيرة والمروحيات، فضلا عما أعقب هذه المذبحة -بحسب وصف المنظمة- من نزوح جماعي للمدنيين من عِرقية الفولاني، وهي العِرقية التي تُتهم من بعض الجهات في البلاد أنها تخضع لرعاية ودعم المسلحين الإسلاميين رغم نفيها لذلك.
إعلان
لكن على النقيض من سجله "السيئ" في مجال حقوق الإنسان وعلى صعيد الممارسة الديمقراطية وتداول السلطة (على الأقل من وجهة النظر الغربية)، يتبنى تراوري الكثير من الممارسات السياسية والسياسات الاقتصادية التي تحظى بشعبية كبيرة في بلاده، لكن التغطيات الصحفية الغربية لا تعيرها ما يكفي من الاهتمام.
ويتبنى الجنرال البوركيني تراوري عموما لغة متحدية للغرب، وبات أقرب بكثير لروسيا، وهو ما أكسبه شعبية كبيرة، ليس فقط في بوركينا فاسو وإنما في قارة أفريقيا كاملة وعلى صعيد عالمي أيضا، لدرجة أن شبكة "بي بي سي" البريطانية الشهيرة نشرت في شهر/مايو أيار الماضي تقارير تتناول شعبية الزعيم البوركيني مع عناوين على شاكلة: "لماذا أسر قائد بوركينا فاسو قلوب وعقول العالم؟"، و"لماذا يحظى إبراهيم تراوري بشعبية بين الشباب الأفريقي؟".
على نطاق واسع، يرى معجبو تراوري أنه يسير على خطى الأبطال الأفارقة مثل توماس سانكارا، الثوري الماركسي الذي يشار إليه أحيانا باسم "تشي جيفارا أفريقيا"، لذلك فإنه يثير إلهاما واسعا بين الشباب في أفريقيا من غربها إلى شرقها.
وقد سبق لنا في عام 2023 أن حللنا في مقال بعنوان "هل يختلف إبراهيم تراوري عن أي قائد انقلاب آخر في أفريقيا" لماذا يحظى القائد الجديد الشاب بكل تلك الشعبية المتصاعدة، وركزنا بالأساس على تحركاته السياسية المعادية لـ "الإمبريالية الغربية"، فضلا عن خطاباته والشخصية التي رسمها لذاته، لكن في هذا المقال، وبعد أن مرت تلك الأعوام، فإن هناك حاجة إلى فهم لماذا يحافظ إبراهيم تراوري على شعبيته الأفريقية والعالمية وينمّيها رغم أنه لم يوفِ بوعده الخاص ببناء دولة ديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين، وربما تورط في انتهاكات لحقوق الإنسان، وسنركز بالأساس في هذا المقال على الجانب الاقتصادي.
إعلان
" frameborder="0">
انقلاب أميركي؟
قبل الحديث عن الاقتصاد، لا تفوتنا الإشارة إلى واقعة مهمة جذبت الكثير من الانتباه العالمي خلال الأسابيع الماضية.
ففي مطلع أبريل/نيسان الماضي، صرح الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي بأن النظام العسكري في بوركينا فاسو الذي يقوده تراوري يستغل موارد البلاد، وخاصة احتياطيات الذهب، ليوفر حماية لنفسه بدلا من حماية السكان في البلاد، زاعما أن النظام يعطي رشوة لروسيا مقابل حصة من ذهب البلاد في مقابل حمايته، وأنه ليس كما يصوره البعض نظاما وطنيا يريد التخلص من الإمبريالية الغربية، وكان حديث لانغلي لمجلس الشيوخ في إطار حثّه على اتخاذ خطوات جادة للتعامل مع ملف نظام بوركينا فاسو بحسب "بي بي سي" البريطانية.
أدانت حكومة بوركينا فاسو بيان القائد الأميركي، ودعت الولايات المتحدة إلى احترام سيادتها، ومما فاقم الوضع المتوتر أن نظام تراوري قد أعلن بعد ذلك بوقت قصير أنه أحبط مؤامرة انقلابية في البلاد، قائلا إن المتآمرين اتخذوا من ساحل العاج قاعدة لترتيب وتنفيذ مخططهم، وهي الدولة التي زارها الجنرال لانغلي بعد فترة قصيرة على شهادته المثيرة للجدل.
للمفارقة فإن خطاب لانغلي الذي تضمن تلميحات بأن تراوري يعمل ضد مصالح أمته قد جلب للقائد العسكري الشاب الكثير من المنافع، وأكد شعبيته الضخمة، ودفعه للواجهة عالميا مرة أخرى، فبعد الإعلان عن مؤامرة الانقلاب الفاشلة "المزعومة"، خرجت مسيرات ضخمة في بوركينا فاسو تؤكد دعمها لتراوري.
وبالتزامن، انهالت المقاطع على موقع "يوتيوب" من شتى بقاع العالم تمدح في إبراهيم تراوري وفي خطواته التي اتخذها ضد ما يُسمّونه الإمبريالية الغربية.
ولم يأتِ التضامن معه من أفريقيا فحسب، بل جاء أيضا من العديد من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، وخرجت مسيرات لدعمه في عواصم غربية، وفي إحدى المسيرات الضخمة التي خرجت لدعم القائد في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، صرح موسيقي يُدعى أوسيبي يوهان لـ"أسوشيتد برس" بأن ما تحاول أميركا فعله الآن مع بوركينا فاسو هو نهج تلفيق الأكاذيب نفسه الذي فعلوه مع العراق ومع ليبيا من قبل، مؤكدا أن أكاذيب الإدارة الأميركية لن تؤثر على دعم الشعب البوركيني لقائده.
إعلان
رغم ذلك، تشكك بعض المنصات الغربية في مدى شعبية إبراهيم تراوري داخل بلاده، وحجّتها في ذلك أنه لو كان محبوبا لتلك الدرجة لما استخدم القمع ضد معارضيه ونشطاء المجتمع المدني وحتى القضاة، لكن الواقع أن هذه الحجة ربما لا تصمد كثيرا أمام المظاهرات الضخمة التي خرجت في الداخل والخارج لدعم تراوري والمقاطع الداعمة له على مواقع التواصل، التي تخبرنا -بقدر كبير من الترجيح- أن الرجل يتمتع بشعبية كبيرة.
كما أن التاريخ يخبرنا حول العديد من القادة الذين مارسوا القمع رغم ضخامة شعبيتهم، مع عدم نسيان الافتراض المحتمل بأن ممارسات تراوري الحقوقية تحظى بأضواء غربية زائدة خدمةً لأجندات سياسية بعينها.
بخلاف ذلك، فإن هناك حوادث واضحة تُبيِّن شعبية تراوري الأفريقية، فبغض النظر عن المحتوى الكثيف الداعم للقائد الشاب على مختلف منصات التواصل الاجتماعي في أفريقيا، فقد ظهر بجلاء في حفل تنصيب الرئيس جون دراماني ماهاما في غانا في بداية العام الحالي أن تراوري كان أكثر رئيس حظي بالتصفيق من بين جميع الرؤساء الأفارقة الحاضرين بحسب معهد الدراسات الأمنية الأفريقي، رغم أن مظهر تراوري أثار الجدل بسبب ظهوره حاملا مسدسه في جرابه المثبت حول خصره.
وبحسب استطلاع شبكة الأبحاث الاستقصائية "أفرو بارومتر" ومقرها غانا، فإن 66% من الشعب البوركيني صاروا يقبلون الآن بالحكم العسكري في بلادهم، في حين لم يكن أكثر من 24% يقبلون بذلك قبل 13 عاما مضت.

اقتصاديا.. القبلة إلى اليسار
"إصلاحات تراوري الجذرية هي التي زادت من شعبيته في قارة أفريقيا، ويمكن القول الآن إنه الرئيس الأكثر شعبية في القارة".
- إينوك راندي أيكينز، باحث في معهد جنوب أفريقيا للدراسات الأمنية
في دولة يصفها البنك الدولي بأنها منخفضة الدخل وذات موارد طبيعية محدودة، حيث يعتمد اقتصادها على الزراعة والتعدين وإنتاج الذهب، ويعيش أكثر من 40% من سكانها تحت خط الفقر الوطني، وتحتل عموما مرتبة متأخرة للغاية وفقا لمؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ظهر تراوري إلى المشهد حاملا أحلاما كبيرة وشعارات تَعِدُ البوركينيين بمستقبل أفضل، وتُذكِّرهم بزعيمهم السابق المقتول توماس سانكارا الذي قاد البلاد في الثمانينيات لإنجازات اقتصادية كبيرة، وقد ردد إبراهيم شعاراته وأكد في بداية تسلمه للحكم أن البلاد لن تتقدم إلا في إطار الرؤية التي رسمها سانكارا من قبل.
إعلان
وبحسب "ذي إيكونوميست" البريطانية، فإن التشابه بين الرجلين ليس سطحيا فقط، فخطة إبراهيم تراوري تعتمد على تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، والقضاء التام على الفساد، وتأميم مناجم البلاد وسحب التراخيص من الشركات الأجنبية، ومنع تصدير المواد الغذائية الرئيسية، وعلى رأسها الأرز، لتأمين الأمن الغذائي في البلاد، فضلا عن توزيع الجرارات المجانية على المزارعين، وكلها خطوات تبدو "سانكارية" يسارية بامتياز.
وبحسب "بي بي سي" أيضا، فإن تراوري قد اعتمد حتى الآن سياسة اقتصادية يسارية في بلاده، وأطلق أول بنك مملوك رسميا للدولة، وبنى أول مصفاة للذهب، وأمَّم منجمَيْ ذهب مملوكين لشركة مدرجة في بورصة لندن، وأكد أنه سيقوم بالمزيد من التأميمات في المستقبل، كما أنشأ لأول مرة في تاريخ بوركينا فاسو احتياطيات وطنية من الذهب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، حين أعلن سحب بعض تراخيص التعدين الممنوحة لشركات أجنبية قال: "لا أفهم لماذا نسمح لشركات متعددة الجنسيات بهذا! نحن نعرف كيف نستخرج ذهبنا".
هذا بالإضافة إلى تعليقه تصاريح تصدير الذهب لصغار المنتجين، وذلك بهدف الحد من التجارة غير المشروعة التي تؤدي إلى عدم استفادة البلاد من مواردها الطبيعية بحسب مجلة "أفريكان لين".
أكثر من ذلك، أنشأ تراوري شركة تعدين مملوكة للدولة، وألزم الشركات الأجنبية بمنح حصة قدرها 15% في عملياتها المحلية، وألزمها أيضا بنقل مهاراتها التقنية للشعب البوركيني، ولم يستثنِ تراوري شركة التعدين الروسية "نورد غولد" (Nord gold) من قواعده الصارمة رغم علاقته القوية بروسيا.

وبالنظر إلى ملف الزراعة، تشير منصة "ساحل ليبرتي نيوز" إلى إجراءات تراوري بنبرة متفائلة، وترى أن نتائج سياسته الزراعية الأولية بدأت تؤتي ثمارها وتبعث الآمال في نفوس شعب عانى من القهر والفقر دوما، فقد شيد استثمارات زراعية ضخمة، ودعم المزارعين ووزع الأسمدة، وحدّث تقنيات الزراعة مما نتج عنه تحسن ملحوظ في إنتاج الحبوب، وخلق فرص عمل في القطاع الزراعي وقلل الواردات، هذا بالإضافة إلى دعمه التصنيع المحلي ووحدات معالجة القطن عبر إنشاء المركز الوطني لدعم معالجة القطن، هذا بخلاف تدشين مشروعات لبناء الطرق والسدود، وخطة لتشييد مطار جديد، وإصدار مراسيم تنظيم أسعار السلع الأساسية، ومن ثم، بحسب المنصة، فقد استطاع تراوري في سنوات حكمه القليلة حتى الآن أن يضع الأساس لاقتصاد أكثر مرونة.
إعلان
ورغم أن "ذي إيكونوميست" البريطانية لا تشارك هذه النظرة المتفائلة بشأن السياسة الزراعية لتراوري، وترى أن مبادراته لم تُنتج أي تحسن جدي يُذكر حتى الآن، لكنها تؤكد على الجانب الآخر أن حملته الشديدة ضد الفساد تؤتي ثمارها، وتنقل عن سفير غربي لم تذكر اسمه أن الفساد بات منحسرا للغاية في بوركينا فاسو، إذ صار المسؤولون يخشون للغاية عقاب تراوري الذي لا تأخذه شفقة بمَن يُقبض عليه بتهم الفساد.
في الواقع، تشير أرقام صندوق النقد الدولي إلى مؤشرات إيجابية بشأن اقتصاد بوركينا فاسو تحت حكم القائد الشاب، وتؤكد أنه رغم البيئة الصعبة فإن الاقتصاد سيحافظ على تحسنه في عام 2025، ويذكر الصندوق أن النظام العسكري في البلاد قد حقق تقدما جديرا بالإشادة فيما يخص زيادة الإيرادات المحلية والسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام، في الوقت نفسه الذي زاد فيه من الإنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
ولا تختلف تقديرات البنك الدولي كثيرا عن هذا، حيث أكد البنك أن دعم قطاع الخدمات كان المحرك الرئيسي للنمو في بوركينا فاسو، وأشاد البنك بالدعم الحكومي الفعال في مجال الزراعة وعودة بعض المزارعين للأراضي التي كانت مهجورة سابقا، وتطوير الأراضي المنخفضة من أجل زراعة الأرز وتوسيع المساحة المزروعة في بوركينا فاسو عموما، كما أشار البنك إلى أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع (أقل من 2.15 دولار أميركي في اليوم) قد انخفضت بنسبة نقطتين مئويتين من عام 2023 إلى عام 2024 لتصبح 24.9% من السكان (وهي لا تزال نسبة مرتفعة جدا)، وأكد البنك أن هذا يعود الفضل فيه إلى النمو القوي في قطاعَيْ الخدمات والزراعة.
وقد توقع صندوق النقد الدولي أن معدلات النمو في بوركينا فاسو سوف تناهز 5% في العام المنقضي (2024)، كما تنبأ بزيادة إنتاج التعدين، بافتراض تحسن الوضع الأمني المتردي في البلاد بسبب الحرب مع المسلحين الإسلاميين، وتوقع انخفاض الدين العام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي تدريجيا، فضلا عن انخفاض معدلات الفقر بنسبة نقطة مئوية سنويا حتى عام 2027.
إعلان
وبحسب دراسة أجراها فريق المستقبل والابتكار الأفريقي التابع لمعهد دراسات الأمن الأفريقي هذا العام، فإن اقتصاد بوركينا فاسو قد يصل إلى معدلات نمو تبلغ في المتوسط 8% بين عامي 2025-2043، مما سيزيد، بحسب المعهد، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بوركينا فاسو إلى 1120 دولارا أميركيا (نحو 886 دولارا حاليا)، وأن 2.4 مليون بوركيني سيُنتشلون من براثن الفقر بحلول عام 2043، إذا ما استمرت البلاد في إصلاحات الحوكمة ومحاربة الفساد.

شكوك وتحديات
لكن رغم ذلك، لا تبدو كل الرؤى متفائلة، فبعض الرؤى الغربية وحتى الأفريقية تبدو متشككة بشأن حقيقة تجربة إبراهيم تراوري، فرغم الإشادة المبطنة التي يحملها البنك الدولي تجاه أداء بوركينا فاسو مؤخرا، فإنه يشير إلى حقيقة ملموسة أخرى وهي أن الحرب مع الجماعات المتمردة قد أدت إلى تضرر قطاعَيْ التعليم والصحة بشكل شديد الوضوح منذ بداية العام الجاري.
إذ تأثرت 20% من مرافق البلاد الصحية بالصراع، وحُرم 4 ملايين شخص من الرعاية الصحية على أثر ذلك، وبحسب البنك الدولي أيضا، فمنذ مارس/آذار أُغلق نحو 21% من إجمالي مرافق البنية التحتية التعليمية في البلاد، مما أدى إلى تعطيل تعليم مئات الآلاف من الطلاب.
كما يظهر تدهور الوضع الأمني في البلاد في دراسات مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح "إيه سي إل إي دي" (ACLED) في واشنطن، الذي يذكر أنه في العام الذي سبق الانقلاب كان عدد القتلى في الصراع بين حكومة بوركينا فاسو والجماعات المتمردة قد وصل إلى 2894 شخصا، في حين وصل هذا الرقم في عام 2024 تحت قيادة تراوري إلى 7200 فرد، وبحسب موقع "ذا كونفرزيشن" فإن إجراءات تراوري الأمنية أثبتت أنها لم تؤدِّ إلى أي تحسن، إذ وقعت أكثر من 3000 حادثة عنف مرتبطة بالمسلحين الإسلاميين منذ توليه السلطة بزيادة قدرها 20% عما كان عليه الحال في العامين اللذين سبقا حكمه.
إعلان
أبعد من ذلك، يذهب دانيال إيزينجا، الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية الأفريقية (وهو مركز أبحاث تابع لوزارة الدفاع الأميركية)، وغبارا أوانين، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيز النيجيرية، إلى إن تراوري لم يحرز أي تقدم حقيقي ملموس على أرض الواقع في بوركينا فاسو، والمسألة لا تتعدى مجرد دعاية شعبوية لنظامه.
كذلك تشير "واشنطن بوست" الأميركية إلى أن الوضع الأمني السيئ قد تفاقم في عهد تراوري إلى درجة أن العاصمة نفسها باتت مهددة بشكل متزايد، وأصبح أكثر من 60% من مساحة البلاد خارج سيطرة الحكومة، فضلا عن فقدان أكثر من مليونَيْ شخص لمنازلهم أثناء الصراع الدائر، وتشير "بي بي سي" إلى أن هذا التدهور الساري حتى عام 2025 يأتي في وقت ارتفع فيه الإنفاق العسكري في البلاد بنسبة تقارب 70% عن العامين الماضيين، وهو ما يقارب 18% من الإنفاق العام في البلدان.
وفي نقد واضح لتراوري، تقول الشبكة البريطانية إنه رغم كل تلك الأموال التي ينفقها على الأمن، لا نكاد نرى أي تحسن ملحوظ في السيطرة الأمنية على البلاد، مما يعني، بحسب رأيها، أنه يستخدم تلك الأموال لحماية نظامه أكثر من استخدامها لحماية أراضي البلاد أو تحسين الوضع الإنساني للمتضررين من الصراع.
يتأرجح نظام تراوري إذن بين رؤيتين متناقضتين حول أدائه ورؤيته. لا يمكن إنكار البيانات والمؤشرات الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الفساد، التي تُظهر أداء إيجابيا لإدارة تراوري، وفي المقابل تُظهر بعض البيانات الأخرى المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والأداء الأمني قصورا كبيرا، لكن الأكيد أنه حتى ولو كان الشعب البوركيني يعاني من جراء الحرب والظروف الاقتصادية، ولم يشهد بعد تغييرات جذرية في ظروف معيشته، فإن خطاب تراوري وبعض تحركاته قد تماست مع أحلامه وطموحاته المتعلقة بالكرامة والحقوق الأساسية، ومع طموحات العديد من الشباب في سائر القارة السمراء أيضا.
0 تعليق